غير أنّ الحفظ يخون ، والعهد بعيد.
ومثله عند غيره من أهل الأصول ، وقد قال تعالى لأشرف الخلق : (اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) وقال لداود عليه السّلام : (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ)
فإن قيل : إنّ في قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) تفويضا مطلقا .. قيل : لا ، وإنّما هو بما أراه الله من الحقّ ، كما يشهد السّياق ، وقد جاء في «التّحفة» [٧ / ٩٨] قبيل (الوديعة) ما نصّه : (قال بعضهم : وفيما إذا فوّض للوصيّ التّفرقة بحسب ما يراه .. يلزمه تفضيل أهل الحاجة ... إلخ).
على اتّساع شقّة الفرق بين ما تراه وبين ما أراك الله ، وقد روي عن عمر رضي الله عنه : لا يقولنّ أحدكم : قضيت بما أراني الله ؛ فإنّ الله لم يجعل ذلك إلّا لنبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم. ولكن ليجتهد رأيه ؛ لأنّ الرأي من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان مصيبا ؛ لأنّ الله كان يريه إيّاه ، وهو منّا الظّنّ والتّكلّف. ثمّ ما أبعد البون بين ما تراه الأدنى ممّا أراك الله ـ كما تقدّم ـ وبين ما تشاء في الآية (٤٨) من (المائدة) : (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ) وفي الّتي بعدها : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ)
ولكنّ المجلس العالي بالمكلّا وقع من وزير الدّولة على ما لم تحصل عليه الأنبياء
__________________
إلى حديث السّواك ، وإيجاب الحج : «لو قلت نعم .. لوجبت» ، ورد عليه الجمهور بعدم دلالة ذلك على المدّعى ، لجواز التّخيير أو الوحي .. «شرح الجمع» (٢ / ٣٩١ ـ ٣٩٢) ، مع حاشية البناني.
ومعنى : (ففيه الصّواب) أو (فهو صواب) كما هو النّصّ : أي موافق للحكم الإلهي ، قال البناني : فهو صواب .. من جملة المقول للنّبيّ أو العالم .. وحاصل ذلك : أن يجعل الله تعالى مشيئة المقول له ذلك دليلا على حكمه في الواقع ، بأن لا يلهمه إلّا مشيئة ما هو حكمه في الواقع. اه