إلّا أنّهم اختلفوا مع عبديه في مخزن التّموين ، فأراد العبدان أن يكون بسيئون ، فامتنعت يافع خوفا من رسوخ قدم القعيطيّ فيها وهم لا يبغون بها بديلا.
ولمّا أحسّ آل كثير ـ بعد اللّتيا والّتي (١) ، وبعد هروج ومروج مستوفاة ب «الأصل» (٢) ـ بأنّهم عاجزون عن مناهضة القعيطيّ .. عقدوا حلفا ثلاثيّا من الكساديّ ـ الّذي استمالوه إليهم ، وكان هو والقعيطيّ على رأي لأنّهم يافعيّون ـ ومن العولقيّ والكثيريّ ، وكان ذلك في سنة (١٢٩٠ ه).
وكانت للعولقيّ عدّة مراكب شراعيّة تمخر عباب البحر ، وتنقل ما يحتاجه من الهند إلى الحزم وصداع.
وجرت بينهم حروب كثيرة ، كانت النّهاية فيها ـ كما ب «الأصل» (٣) ـ انهزام العولقيّ والكساديّ وآل عمر باعمر ، وتراجع آل كثير ، واستيلاء القعيطيّ على الغيل وعلى الحزم وعلى صداع ، وكان ذلك في سنة (١٢٩٣ ه).
وسمعت من الثّقات : أنّ نفقات العولقيّ على الحزم وصداع بلغت ثمانية آلاف ألف روبيّة ، وكان كثير النّدم على ما كان في أيّام حياته من ذلك ، وتمنّى أن لو كانت في سبل الخيرات.
__________________
(١) بعد اللّتيّا والّتي : مثل عربيّ معناه : بعد الدّاهية الكبيرة والصّغيرة. وكنّى عن الكبيرة بلفظ التّصغير تشبيها بالحيّة ؛ فإنها إذا كثر سمّها .. صغرت ؛ لأنّ السّمّ يأكل جسدها. وقيل : أصل هذا المثل : أنّ رجلا من جديس تزوّج امرأة قصيرة ، فقاسى منها الشّدائد ، وكان يعبّر عنها بالتّصغير ، فتزوّج امرأة طويلة ، فقاسى فيها ضعف ما قاسى من الصّغيرة ، فطلّقها وقال : بعد اللّتيّا والّتي .. لا أتزوّج أبدا.
فجرى ذلك على الدّاهية.
(٢) كان انعقاد الحلف في رمضان (١٢٩٠ ه) ، كما نقل ذلك في الأصل عن «تاريخ الحبيد» والكلام في هذا يطول ، وهو في «بضائع التابوت» : (٣ / ٢٦ ـ ٣٤).
(٣) كانت بداية نهاية الحلفاء في وقعة شحير في صفر (١٢٩٢ ه) ؛ إذ هجموا على شحير بعد طلوع الفجر ، فلاقاهم عسكر القعيطيّ من يافع وغيرهم إلى خارج شحير ، واشتدّ الحرب وانتهى بعد أن استحرّ بالحلفاء القتل والهزيمة. ثمّ جهّز القعيطيّ في رجب على غيل باوزير ، وانهزم الحلفاء أيضا ، ولم يكن لهم ملجأ بعد ذلك إلّا إلى الحزم وصداع مع فلول الأحلاف. وفي شوال (١٢٩٣ ه) ..
جهّز السّلطان عوض بن عمر القعيطيّ على حصن صداع والحزم بثلاث فرق ، وحاصر من فيها أربعة أشهر حتّى استسلمت حامية الحصن وهم العوالق ، وآل عمر باعمر ، فسفّر العوالق بعضهم إلى أرضهم جهة القبلة ، والبعض إلى الهند ، وسجن آل عمر باعمر.