فعزم إلى الآستانة (١) ؛ ليستنجد بالخليفة العثمانيّ على الكساديّ بالمكلّا وعلى القعيطيّ بالشّحر ، فسافر إلى عدن ، ثمّ خرج إلى لحج ، وبها فاجأته المنيّة (٢) ، وعاد كثير من أعقابه إلى الشّحر ، ولا يزال بها ناس منهم إلى اليوم (٣).
أمّا غالب بن محسن : فلو قنع بالشّحر كما أشار عليه المخلصون .. لأوشك أن تطول بها مدّته ، لكنّه طمع في أخذ المكلّا من الكساديّ ، فانكسر دونها.
وفي آخر ذي الحجّة من نفس السّنة الّتي أخذ فيها الشّحر ـ أعني سنة (١٢٨٣ ه) ـ : جهز القعيطيّ بمساعدة الكساديّ على الشّحر ، وافتتحها بأسرع وقت ، وتفرّق عسكر السّلطان غالب شذر مذر (٤) ، بعدها أخذت السّيوف منهم كلّ مأخذ ولو لا أنّ أحد عبيده ـ وهو صنقور سليمان ، وكان من أهل القوّة والأيد (٥) ـ احتمله على ظهره .. لذهب مع شفرات يافع ، فما نجا إلّا بجريعة الذّقن (٦) وخيط الرّقبة.
وفي رجب من سنة (١٢٨٤ ه) : استأنف السّلطان غالب بن محسن التّجهيز على الشّحر ؛ إذ بقي قلبه بحسرة عليها ، ودخل أكثر جيشه من كوّة فتحوها في سور البلد ، فانحصروا وانقطع عليهم خطّ الرّجعة ، وأصلتهم يافع ومن لفّهم من عسكر القعيطيّ نارا حامية ، فأثخنوا فيهم قتلا ، وخرج الباقون لا يلوي آخرهم على أوّلهم (٧).
__________________
(١) الآستانة : هي القسطنطينيّة ، وهي استانبول.
(٢) توفّي بعد صلاة الجمعة ، ودفن صباح السّبت (٢١) ربيع الأوّل سنة (١٢٩٣ ه).
(٣) وهم المعروفون بآل بن بريك.
(٤) شذر مذر : أي مذاهب مختلفة ، ولا يقال ذلك في الإقبال.
(٥) الأيد : القوّة ، وهذا من عطف المترادفات على بعضها.
(٦) جريعة الذّقن : يقال في المثل العربي : أفلت فلان جريعة الذّقن ؛ أي : أفلت قاذفا جريعة ، وهو كناية عمّا بقي من روحه ، يريد أنّ نفسه صارت في فيه ، وقريبا منه كقرب الجرعة ـ وهي جرعة الماء ـ من الذّقن.
(٧) كانت خسائر جيش غالب بن محسن : (١٢٠) قتيلا و (٦٠) جريحا و (٢٠) أسيرا ، وعاد غالب بن محسن بعد هزيمته إلى سيئون ، وجرت له وقائع أخرى ، حتّى مات سنة (١٢٨٧ ه) ، وسيأتي ذكره لاحقا في سيئون.