الإطالة. وذكرنا ما أنكره عليه صاحب «القلائد» من غدره بهم (١) ، مع أنّه لم يفعل إلّا ما استباحوا أكبر منه من الغدر بالمسلمين ، ولكن قال قتادة : (إنّ الله أكّد الوفاء بالعهد في بضعة وعشرين آية).
ويروى : أنّ أهل قبرس (٢) أحدثوا حدثا في ولاية عبد الملك بن صالح بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس (٣) ، فاستفتى العلماء في نقض صلحهم.
فأجابه اللّيث (٤) : (بأنّ أهل قبرس لم يزالوا يتّهمون بخيانة الإسلام ، وقد قال تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) وإنّي أرى أن تنبذ إليهم وتنظرهم سنة).
وقال له مالك بن أنس : (أرى أن لا تعجّل بنقض عهدهم ؛ حتّى تتّجه الحجّة عليهم ؛ فإنّ الله يقول : (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ) فإن هم لم يدعوا غشّهم ، ولم يستقيموا .. فأعذر إليهم ، ثمّ أوقع بهم .. ترزق النّصر) أو ما يقرب من هذا (٥).
وروي : أنّ صالحا هذا أجلى أهل الذّمّة من لبنان من غير من مالأ عليه ، فأنكر عليه القاسم بن سلام (٦) وقال له : (كيف تؤخذ عامّة بذنوب خاصّة حتّى يخرجوا من
__________________
(١) أي السّلطان بدر.
(٢) قبرس : بالسين ، وقد تكتب بالصاد ؛ جزيرة معروفة في البحر الأبيض المتوسّط ، الّذي كان يعرف قديما ببحر الرّوم.
(٣) كان عبد الملك هذا أميرا على الموصل من قبل الخليفة الهادي العباسي سنة (١٦٩ ه) ، وعزله الرشيد سنة (١٧١ ه) ثم ولاه المدينة والصوائف ، ثم مصر مدة قصيرة ، فدمشق. كان من أفصح الناس وأخطبهم ، له مهابة وجلالة ، توفي سنة (١٩٦ ه). «الأعلام» (٤ / ١٥٩).
(٤) هو الإمام الليث بن سعد الفهمي بالولاء ، أبو الحارث ، إمام أهل مصر في عصره حديثا وفقها ، من أقوال الإمام الشافعي فيه : الليث أفقه من مالك ، إلا أن أصحابه لم يقوموا به. ولد سنة (٩٤ ه) ، وتوفي سنة (١٧٥ ه). «الأعلام» (٥ / ٢٤٨).
(٥) «فتوح البلدان» (١٥٩ ـ ١٦٠).
(٦) هو أبو عبيد ، من كبار علماء عصره في الحديث والفقه والأدب ، ولي القضاء بطرسوس ، كثير التصانيف ، ولد سنة (١٥٧ ه) ، وتوفي سنة (٢٢٤ ه). «الأعلام» (٥ / ١٧٦).