والوسائد ـ ويسمونه الطّاق ـ فقال له السّيّد مصطفى : ترتفع على النّاس! أما تخاف من المقدّم؟
قال له : أيّ مقدّم؟ إنّ المقدّم هو الّذي عمد بتربة تريم (١) ، أمّا هذا .. فما هو إلّا مقدّم الظّلم ، قدّمته أنت وأحمد بن حسن لأجل قروشه وهريسه. أو ما هذا معناه ، أو قريب منه.
وعوره في الأصل ملك آل باجعيفر .. فكان في جملة ما صادره باصرّة من أموالهم ، ولمّا مات المقدّم عمر بن أحمد باصرّة في سنة (١٣٥٠ ه) .. خاف أولاده أن تكثر عليهم الدّعاوي إن اندفعوا عن العمالة وذهبت الهيبة ، فبذلوا ـ على ما يقول مبغضوهم ـ الألوف المؤلّفة ؛ حتى أبقاهم السّلطان عمر بن عوض عليها ، وكان فيما بذلوه عشرون ألف ربّيّة للسّلطان عمر نفسه ، وخمسة آلاف ربّيّة للأمير سالم بن أحمد القعيطيّ ، وأبقاهم السّلطان صالح بن غالب عليها مديدة.
وكان وزيره السّيّد حامد بن أبي بكر المحضار يحمل عليهم ضغنا شديدا ، ولو طالت مدّته .. لجرّعهم الأجاج ، وأسعطهم الخردل ؛ إذ كان كأبيه وجدّه لا يرجعون في أحكامهم إلى قانون قطّ ، وإنّما يعملون بما تملي عليهم أغراضهم وأهواؤهم ، إلّا أنّ السّيّد حسينا كان يعتصم بالحياء والذّمم ، وله من المروءة والشّهامة الحظّ الوافر ، فهنّ المانعاته عن كثير من الأمور ، ومن حسن حظّ آل باصرّة أن لم تكن وزارة حامد إلّا أقصر من ظمء الحمار.
ولمّا مات في سنة (١٣٥٠ ه) .. أبقى القعيطيّ العمالة في أولاده ، فكثرت منهم الشّكاوى ، فعزلهم السّلطان صالح بن غالب ، ثمّ ردّ العمالة إلى عبود بن عوض بن عمر بن أحمد باصرّة وعمّيه أحمد ومحمّد ، فيقال : إنّهم ارعووا عمّا كانوا عليه واستقام حالهم ، ولم يجد السّلطان من يسدّ مسدّهم سواهم ، وقد بنوا في عوره قصورا فخمة أجروا إليها الماء من عين أنبطوها بأعلى الجبل (٢) ، فأرغد عيشهم ،
__________________
(١) عمد ـ بالتخفيف محركة ـ : حلّ وأقام (عامية) معروفة بلهجة أهل الكسر ودوعن وعمد.
(٢) أنبطوها : استخرجوها.