يجور على الرّعايا ، ويبسط جوده لأهل العلم والفضل ، فيتغلّب إطراؤهم لدى السّلطان غالب بن عوض القعيطيّ فلا يؤثّر عليه ما يصل إليه معه من تظلّم الرّعيّة منه (١) ، فتأطّد مركزه ، ورسخ قدمه ، وتمّ له ما يريد بمساعدة السّيّد حسين بن حامد المحضار ، وقد جرى في أيّامه من الظّلم والجور ولا سيّما على أهل الوادي الأيسر ما لا تبرك عليه الإبل ، حتّى لقد دخل أحد الجنود في أيّامه إلى منزل أحد الأهالي وما فيه غير امرأته ، فجاء أحد أقاربها ـ واسمه صالح بابقي ـ فقال لها : من عندك؟ فقالت : لا أحد ؛ خوفا من شرّه ، وكان مختبئا ، ثمّ إنّه ظهر وأطلق الرّصاص على بابقي ، وأرداه ، ولم تحبق في ذلك شاة.
وأخبرني غير واحد ممّن يوثق بهم : أنّ أحد آل بارضوان ـ واسمه سالم ـ كان بالقويرة ، وكان منحرفا عن شيخنا الشّهير أحمد بن حسن العطّاس ؛ لأنّه كان من أهل حريضة ، فزال عنها إلى القويرة ، وكان يتحرّج أن يذهب إلى عند باصرّة ، وفي إحدى قدمات العلّامة السّيّد أحمد بن حسن إلى القويرة .. دعاهم باصرّة كعادته للضّيافة ، فذهبوا ، وعزم الفاضل الجليل السّيّد مصطفى بن أحمد المحضار على بارضوان أن يجيء معهم ، فامتنع أوّلا ، حتّى ألحّ عليه ، فصحبهم ، ولمّا انتهوا إلى باصرّة .. قال له الحبيب مصطفى : حرّك بارضوان ، ـ وكان جريئا حاضر الجواب ، ذرب اللّسان ـ فقال باصرّة : إنّ برّضوان لم يأتني للتّعزية في عمر عبود باصرّة ، ولكنّه جاء اليوم لمّا سمع بالهريس.
فقال له : أمّا هريسك الّتي جاء لها هؤلاء .. فحرام عليّ كلحم أمّي.
ولمّا قرّبوا الغداء .. وثب إلى مكان مرتفع عن النّاس يوضع فيه فضول الفراش
__________________
(١) قال صاحب «الشّامل» : مصنعة عوره ؛ وهي ملك آل باصرّة ، وكانت قبل بيد المشايخ آل باجعيفر ، ثمّ صارت للقثم ، ثمّ بعد استيلاء القعيطيّ على الوادي بلغنا أنّه وهبها لولد باصرة ، قدّمه إليه وقال : إنّا سمّيناه عوض بن عمر باسمك يا سلطان ، ومرادنا له هديّة منك ، فقيل : إنّه أهدى له هذه المصنعة. شاع هذا الحديث وسمعناه في حينه ، والله أعلم بالواقع.
وقد بنى فيها المقدّم عمر وزاد وقوّى ، وصارت دار الملك ، فالنّاس يختلفون إليها ما بين شاك ومشكوّ منه ، ومسترفد ، وقد اشتهرت بعد الخمول ، وسبحان من يصرف اللّيل والنّهار. اه