وفي قيدون جماعة من السّادة آل الحبشيّ ، من آخرهم : الفاضل الجليل ، السّيّد عبد الرّحمن بن عيسى الحبشيّ (١) ، كان على قضائها في سنة (١٣٢٩ ه) وعنده علم غزير ، وتواضع كثير ، ونزاهة تامّة ، وصدر واسع ، وجانب سهل.
وآل قيدون يتعالمون بأخبار كبيرة عن نجاح الشّيخ أحمد بن سعيد باداهية (٢) في علاج الأمراض بطبّه العربيّ ، لو لا انتهاؤها إلى التّواتر المعنويّ .. لكذّبناها ؛ لأنّها ممّا تدهش العقول.
وفي قيدون عدد ليس بالقليل من حفّاظ كتاب الله ، وبينما أنا مرّة عند السّيّد حسين بن حامد المحضار بالمكلّا .. ورد شيخ من آل العموديّ ، يقال له : بن حسن ، عليه زيّ البادية ، فإذا به يحفظ كتاب الله ويجيد قراءته! ولمّا اشتدّ إعجابي به .. قال لي العمّ حسين : لكنّه سارق! فسألته ، فقال : نعم إنّي لأحد جماعة من الحفّاظ ، إذا كان من أوّل اللّيل .. سرقنا رأس غنم على أحد أهل قيدون واشتويناه ، ثمّ إذا كان من آخر اللّيل .. سرنا إلى الجامع نتدارس آيات القرآن بظهر الغيب.
وما أدري أقال ذلك مازحا ، ليوافق هوى الوالد حسين ، أم عن حقيقة؟ غير أنّني عند هذا تذكّرت ثلاثة أمور :
الأوّل : ما جاء في «مسند الإمام أحمد» [٢ / ٢٤٧] ونصّه : حدّثني عبد الله ، حدّثني أبي ، حدّثنا وكيع ، حدّثنا الأعمش ، قال : أنبأنا أبو صالح ، عن أبي هريرة قال : (جاء رجل إلى النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال : إنّ فلانا يصلّي باللّيل ، فإذا أصبح .. سرق! قال : «إنّه سينهاه ما تقول») وهذا السّند جيّد.
الثّاني : لمّا كنت بسربايا في سنة (١٣٤٩ ه) .. حضر مجلسنا رجل أصله من مكّة ، يقال له : محمود ، فقرأ لنا حصّة من الكتاب العزيز بصوت جميل كاد يقتلع
__________________
(١) هو السيد الفقيه عبد الرحمن بن عيسى (١٢٩٦ ه) بن محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن محمد ابن الحبيب عيسى بن محمد بن أحمد صاحب الشعب الحبشي ، توفي المترجم في حدود (١٣٥٠ ه) ، وترجم له ابن أخته العلامة علوي بن طاهر في «الشامل».
(٢) آل باداهية من الأسر العمودية ، يسكنون قيدون.