زفّ كبير ، حضره ذلك الشّاعر ، فألقى عليهم ما يمحو بوادره السّابقة.
ومن أخبارهم : أنّه كان بين عبد الله باذياب (١) ـ صاحب غورب ـ وبين عبد الله بن عوض بن فاجع ـ صاحب الهشم ـ منافسات ، فبينا أحمد بن عبد الله باذياب يمشي ذات يوم مع اثنين من أصحابه على مقربة من الهشم .. إذ خرج عليهم عبد الله عوض صاحب الهشم في سبعة من أصحابه ، فأطلقوا الرّصاص على أحمد بن عبد الله فخرّ صريعا يتشحّط في دمه ، وهرب صاحباه ، فاحترق لذلك فؤاد والده عبد الله باذياب ، وأخذه من الأسف على ولده ما كاد يفلق فؤاده ، لا سيّما وقد أعياه الثّأر ؛ إذ أخذ عبد الله بن عوض بن فاجع بالحزم الشّديد ، فقلّما خرج من داره إلّا بعد الاستبراء.
ولمّا اشتدّ الأسف بباذياب .. خاطر ولده مانع بنفسه ، واقتعد اللّيل وكمن في خربة بالهشم ، ولمّا خرج أحمد بن عبد الله بافاجع .. قدر عليه ، ولكنّه تركه رجاء أن يخرج أبوه ليشفي غيظه وغيظ أبيه من نفس القاتل الّذي اقتطف ثمار قلوبهم ، فلم يكن من أحمد بن عبد الله إلّا أن نادى أباه وقال له : عارضني بمزحاة ومكتل (٢).
فقال له : سآمر أحد العبيد .. يأتيك بها. فلمّا أيس من الأب .. أطلق بندقيّته على أحمد .. فخرّ صريعا لليدين وللفم ، وانساب ابن ذياب انسياب أيم الرّمل (٣) ، ولمّا دنا من دار أبيه .. أطلق الرّصاص ؛ إشارة إلى الظّفر ، فاستقبله أبوه في حفل كبير ، وذبح الذّبائح وعمل ضيافة للنّاس.
وساغ له الشّراب وكان قدما |
|
يكاد يغصّ بالماء الزّلال (٤) |
والنّاس يعدّون صنيع مانع بن ذياب من المعجزات ، ولا بدع ؛ فإنّه من سرّ قوله
__________________
(١) الباذياب من الباعنس ، فخيذة من العوابثة.
(٢) المزحاة : هي آلة تشبه القدوم عند الحضارمة. والمكتل : هي الوعاء الذي يحمل فيه أيّ متاع من أكل وغيره.
(٣) الأيم : الحيّة الذكر.
(٤) البيت من الوافر ، وأصله للنّابغة الذّبياني في «ديوانه» (١١٨) بلفظ :
وساغ لي الشّراب وكنت قبلا |
|
أكاد أغصّ بالماء الحميم |