فحولة الشّعر الحضرميّ العاميّ ، وقوّة متنه وشدّة أسره (١).
ولقد كانت القبائل تضرب آباط الإبل من نواحي حضرموت المترامية إلى حكّام نهد في قعوضة والظّاهرة والقارة ، ولا يدخل من كان كبيرا منهم في نفسه إلّا في حفل وزفاف ، فتقابله نهد بمثله للتّرحيب ، ويتبادلون الأشعار الطّبيعيّة ، ويشرحون فيها ما يختلج بصدورهم وما يهجس على خواطرهم بين طلقات البنادق الدّاوية ، فمن ذلك :
أنّ جماعة من يافع ترافعوا إلى ابن عجّاج في مهمّة كبرى ، فقال شاعرهم :
ما شي بقش ما شي بقش |
|
من لي يهزّون النّمش (٢) |
يافع كما ناب الحنش |
|
مقبوصهم ما له طبيب (٣) |
فلم يبلع النّهديّ ريقه حتّى قال :
ما في قعوضه شي وخش |
|
أوعال في روس الحمش (٤) |
لو تغدي الأعظام طشّ |
|
قوّس على الحكم الصّليب (٥) |
وربّما نظم المدّعي دعواه في تلك الأراجيز فيجيب خصمه على غرار قوله ، وأتيا على أطراف الجرح والتّزكية في أشعارهم. ثمّ يصبّ حكم الحاكم النّهديّ في قالب البحر والقافية ، فلا ينتهون إلى دار الحاكم حيث تمدّ الأنطاع وتبسط الموائد .. إلّا
__________________
(١) للسيد الأستاذ محمد بن هاشم ثلاث مقالات عن الشعر العامي الحضرمي نشرت في مجلة «الإخاء» لسان حال جمعية الأخوة والمعاونة بتريم في الأعداد الأولى لعام (١٣٤٧ ه) ، وهي في «مجموع مقالات ابن هاشم».
(٢) البقش : الفلوس ـ الدراهم ـ النقود ـ العدّي.
(٣) المقبوص : الملسوع.
(٤) وخش : لعله يعني الظلم أو التعدي. وروس الحمش : أعالي الجبال.
(٥) تغدي : تصبح. قوّس : تمسك ؛ أي : حكمنا نافذ ولو أصبحت عظامنا مهشمة ، فتمسك به فهو الحكم الصائب.