بالمعروف ، ناه عن المنكر ، كثيرا ما يجابه الجائرين بقول الحقّ ، لا يهاب ولا يداهن ، وكان مع ذلك مضحاكا مزّاحا ، وله دالة عظمى على الأكابر.
وأصله من الحوطة ، وله بها مسكن صغير ؛ مرّ الحبيب حسن بن صالح البحر تحته مرّة فناداه : يا حسن ؛ ألا تحبّ أن تزور الملك ـ يعني نفسه ـ في قصره؟ فقال له : بلى.
ولمّا عزم على الدّخول ـ وكان الباب قصيرا ـ .. قال له : طأطىء رأسك كما هي العادة في الدّخول على الملوك ، ففعل ، ثمّ قدّم له طاسة من الفخّار تفهق (١) بالماء ، وقال له : اشرب ؛ فإنّ هذا كأس الملك ، وسيّد الوادي يمتثل كلّ ما يقول بصدر مشروح وخاطر مبسوط.
ولعتيق هذا نوادر :
منها : أنّه أراد أن يختبر أهل بلاده بحيره ، وكان إمامهم وخطيبهم ومعلم أولادهم ، فقال لهم : إنّ لي شغلا يوم الجمعة بشبام ، وأنتم بالخيار :
إمّا أن تكفوا أنفسكم بغيري يقوم بالواجب.
وإمّا أن تتركوها.
وإمّا أن نقدّمها يوم الخميس؟ فاختاروا هذه ، فجمّع لهم يوم الخميس.
وقال في الدّعاء : لكم الهجّ والرّجّ والحصا المدحرج ، فقالوا : آمين!
وقد رأيت في بعض التّواريخ أنّ عمرو بن العاصي أشار على معاوية أن يختبر طواعية أهل الشّام بتقديم الجمعة ، فرضوا ، وصلّاها بهم يوم الثّلاثاء.
وكان ذلك أيّام خروجهم إلى صفّين ، ففي ذلك أسوة ليست بالحسنة.
ومنها : أنّ أحد أعيان السّادة آل أحمد بن زين الحبشيّ طلب إليه أن يذهب معه إلى هينن ، فرضي على شرط أن يعقبه على الفرس إذا تعب ، وأن لا يأكل إلا ويده معه.
__________________
(١) تفهق : تمتلىء.