الإملال به ، وقد أشرت في بعض المراثي إلى أنّ نصيبي من الرّحمة كان أوفر ، وأنّ حظّها من الرّضا بقضاء الله كان أكثر ، وهي كما قال حسّان [في «ديوانه» ٣٧٧ من الطّويل] :
حصان رزان ما تزنّ بريبة |
|
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل (١) |
راضية بعيشها ، قانعة برزقها ، مصونة في قصرها ، من اللّاء يقول في مثلهنّ الفرزدق [في «ديوانه» ١ / ٤٠٧ من الكامل] :
رجح ولسن من اللّواتي بالضّحى |
|
لذيولهنّ على الطّريق غبار (٢) |
وكما يقول قيس بن الأسلت [من الطّويل] :
ويكرمنها جاراتها فيزرنها |
|
وتعتلّ عن إتيانهنّ فتعذر |
وليس بها أن تستهين بجارة |
|
ولكنّها من ذاك تحيا وتخفر |
وقول عليّة بنت المهديّ [من الطّويل] :
فما خرّقت خفّا ولم تبل جوربا |
|
وأمّا سراويلاتها فتمزّق |
أي : لشدّة لزامها ؛ من فرط الصّون والعفاف.
قائمة بحقّ ربّها ، صالحة في دينها على جانب واسع من المعرفة والأدب ، لا يعرض لها حال إلّا تمثّلت ببعض بيت ؛ إذ كان عندها مئات الأطراف من الأبيات ،
__________________
(١) الحصان : العفيفة. الرّزان : المرأة الّتي عليها الثّبات والوقار. ما تزنّ : لا تتّهم. غرثى : جائعة.
الغوافل : النّساء الغافلات. والمعنى : لا تأكل لحوم النّاس لأنّها لا تتكلّم في أعراضهم.
(٢) رجح : صاحبات عقول راجحة. وظاهر معنى البيت ـ كما في «المثل السائر» (٢ / ٦٢ ـ ٦٣) ـ أن هؤلاء النساء يمشين هونا لحيائهن .. فلا يظهر لذيولهن غبار على الطريق. وليس المراد ذلك ، بل المراد أنهن لا يمشين على الطريق أصلا ؛ أي : إنهن مخبآت لا يخرجن من بيوتهن ، فلا يكون إذا لذيولهن على الطريق غبار. اه بلفظه من «المثل السائر». وهذا من المبحث البلاغي (نفي الشيء بإيجابه) ؛ كقولهم عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (لا تنثى فلتاته) وظاهر هذا الكلام أنه تكون في مجلس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هفوات .. لكنها لا تنثى ـ أي : تذاع ـ وليس ذلك مرادا البتة ، بل المراد : أنه لا هفوات فيه أصلا. ومثله بيتنا هذا كما في نفس المرجع والله أعلم.