الجيوش السّوريّة ، على حين لم يبق منها إلّا أطلال ، ولهذا فإنّي لا أخلو عن ظنّ سيّء بمن تقدّمت في تاريخه مع المسلمين نقاط سوداء ، وأرى أن لا أمل فيمن لا يستمدّ نفوذه أو إمارته إلّا من الأجانب ؛ لأنّهم من أعرف الخلق بشراء الضّمائر ، فلن ينصّبوا ولن يرشّحوا إلّا من يملأ هواهم ، ويتابع رضاهم ، ويتفيّأ حيثما مال ريحهم ، ويدور حيثما دارت زجاجاتهم ، حتّى لقد عزمت أن أبرق إلى عزّام باشا ـ لنوع تعارف بيننا ـ بما هذه صورته : إنّي لأحذّركم أن يكون جيشكم تمام العشرين ، ولكن :
تكنّفني الوشاة فأزعجوني |
|
فيا لله للواشي المطاع |
ولا سيّما بعد أن فسّرت لهم معناه ، وما أشير به إليه.
ومهما يكن من الأمر .. فالمستقبل كشّاف الحقائق ، والفشل مأمون ، والنّصر بشرطه مضمون ، ولكنّه بيد الله يؤتيه من يشاء ، وإنّما الواجب على الزّعماء والصّحفيّين وغيرهم أن يشرحوا الوقائع ناصعة ، ويلزموا كلّ طائر عنقه ، ويذكروا المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، وإلّا ساء الظّنّ بهم أجمعين.
ومن اللّطائف : أنّا كنّا يوما نتذاكر مساعدة فلسطين ، فقال لنا بدويّ من آل كثير ، واسمه محمّد بن سالمين : ولم هذه المساعدة؟ قلنا له : إنّ اليهود يريدون الاستيلاء على بلاد العرب.
فقال : أو ليس النّصارى مثل اليهود؟ وقد سعى بعضكم ـ أيّها السّادة ـ في بيع حضرموت عليهم ، والثّمن مع ذلك منهم لا من النّصارى. فكان جوابا مسكتا.
وكان القعيطيّ حريصا على محالفته بما شاء فلم يفعل وكيف يفعل وللدّعاية ذلك التأثير العظيم يومئذ.
وكان على سنّة العرب في إكرام الضّيفان ، ونقل الجفان ، وإغلاء الكلام ، وتوفية الذمام. وبه كان صدع آل كثير منشعبا ، ووهيهم منجبرا ، وشتّهم مجتمعا ، يسعى بذمّتهم أدناهم ، ولا تزال مطيّته مرحولة لرتق فتوقهم ، وإصلاح شؤونهم ، وهم أتبع له من الظّلّ ، وأطوع من الخاتم.