كان سيّدي الأستاذ الأبرّ يزوره ، ويطلب دعاءه ، ويتبرّك بالنّظر إليه.
وكان له الضّلع الأقوى في حادثة المحايل ، ولمّا انتهت بانهزام يافع .. خرج السّلطان غالب بن محسن إلى عند الشّيخ عوض بن عبد الله بن عانوز ، بكثير من الرّصاص والباروت ، مكافأة له على ما أبلى وأنفق ، فردّه وقال : إنّما أردت بمعونتي وجه الله تعالى ، فعرض عليه ولاية تريس .. فلم يقبل ، وقال له : لا أريد منكم إلّا الشّفقة بالّذين يحرثون آبارنا بأعمال تريس.
ومنهم : الشّيخ جعفر بن عليّ بن عانوز ، كان كسابقه ، كثير العبادة ، شديد الورع ، طويل الصّلاة. وكان سيّد الوادي الحسن بن صالح البحر إذا كتب إليه .. يقول له : (الولد جعفر بن عليّ).
وكنت أقول له : هل قتلت أحدا بيدك في واقعة المحايل؟ .. فيقول : إنّهم بغاة.
ولأبيه ذكر كثير في الحروب الواقعة بين يافع وآل كثير ، يدلّ على أنّه صدر من صدور القبائل وأولي رأيها وزعامتها.
وكان العوانزه يسكنون المحترقه ، فتنكّدوا من ملوحة مائها ، ولحقهم من ذلك عناء شديد ، فانتقلوا عنها إلى تلك الحصون الّتي لم يتمكّنوا من بنائها إلّا باجتماع خرق العادة من آل كثير والعوامر ، ورابطوا حواليها إلى أن انتهى بناؤها بالرّغم من معاطس يافع بتريس وغيرها ، وجرت بينهم في ذلك معارك ، وأريقت فيه دماء.
ومع صلاح العوانزه وفضلهم .. فقد كانوا من أشجع النّاس وألدّهم على الأعداء ، ولهم في واقعة المحايل المشهورة اليد البيضاء ، والنّصيب الأوفى.
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا |
|
وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدّوا (١) |
وإن قال مولاهم على جلّ حادث |
|
من الأمر : ردّوا فضل أحلامكم ردّوا |
ومنهم قوم منتشرون بوبار وعمان ، ولا يزالون معهم على اتّصال ، وفي الوقت الأخير ـ أي منذ نحو من خمس سنوات ـ زارهم شيخ من العوانزه بعمان ، يظهر على
__________________
(١) البيتان من الطّويل ، وهما للحطيئة في «ديوانه» (٤١).