وذكر البرزالي وغيره أنّ شيخ الصّوفيّة كريم الأبليّ وابن عطاء جاءا ومعهم جماعة نحو من خمس مئة يشتكون إلى الدّولة من تقيّ الدّين ابن تيميّة .. فعقد له مجلس قال فيه أن لا يستغاث إلّا بالله ، حتّى لا يستغاث بالنّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ الاستغاثة بمعنى العبادة ـ ولكنّه يتوسّل ويتشفّع به إلى الله .. فبعض الحاضرين قال : ليس في هذا شيء ، ورأى قاضي القضاة أنّ فيه قلّة أدب ؛ فالأمر لو لا الحسد والمنافسات الحزبيّة .. أدنى إلى الوفاق.
وما أكثر ما يوجد التّوسّل في شعري بالنّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أصلا وببقيّة الخمسة الأرواح تبعا ، مع فرط تكيّفي بما في السّياق السّابق من أنّ التّوسّل به صلّى الله عليه وآله وسلّم ليس كغيره ، كما نقله ابن القيّم وغيره عن ابن عبد السّلام ؛ لحديث الأعمى ، وهو مرويّ عند أحمد [٤ / ١٣٨] والبيهقيّ ، والتّرمذيّ [٣٥٧٨] ، والنّسائيّ [في «الكبرى» ٦ / ١٦٩] ، وابن ماجه [١٣٨٥] ، والحاكم [١ / ٧٠٧] ، وغيرهم.
وذكره ابن تيميّة في «القاعدة الجليلة في التّوسّل والوسيلة» ، ولم يقدر على تضعيفه بحال ، بل ولا على إنكار الزّيادة المشهورة فيه عند الطّبرانيّ [طب ٩ / ٣٠] والبيهقيّ ، وقال في تلك الرّسالة : (إذا كان التّوسّل بالإيمان بالنّبيّ عليه السّلام ومحبّته جائزا بلا نزاع .. فلم لا يحمل التّوسّل به على ذلك ، قيل : من أراد هذا المعنى .. فهو مصيب في ذلك بلا نزاع) اه
ومن هنا يكثر التّوسل في أشعاري ، ويشتدّ على القبوريّين إنكاري ؛ لأنّهم لا يقصدون ما أقصده ، وإنّما يأتون بصريح الإشراك والجهل ، فالقرائن محكمة ، والعلاقات معتبرة ، والفروق بين الحقيقة والمجاز مرعيّة ، وكلا جانبي الإفراط والتّفريط مردود.
ورأيت العلّامة ابن تيميّة في (ص ٢٥١) من ردّه على البكريّ يعذر الشّيخ يحيى الصّرصريّ الشّاعر المشهور في سؤال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بعد وفاته ما كان يسأل فيه أيّام حياته ؛ حيث يقول : (وهذا ـ مشيرا إلى التّسوية ما بين المحيا والممات ـ ما علمته ينقل عن أحد من العلماء ، لكنّه موجود في كلام بعض النّاس