وقد مرّ في ذي أصبح ما يعرف منه تعصّب عبد الله عوض غرامة لآراء الوهّابيّة ، وأنّ الإمام البحر ينكر عليه جوره بعبارات قاسية تكاد تشقّق منها الحجارة ، حتّى إنّه لا يقول في كتبه إليه عندما يثور عليه إلّا : من حسن بن صالح البحر إلى عبد الله عوض غرامة ، السّلام على من اتّبع الهدى ... ثمّ يصعب له القول ، ويطيل في وعظه الجول ، ولو كان من رأيه إنكار توهيبه .. لما سكت له في ذلك ، وهو لسان الدّين النّاطق ، وبرهان الحقّ الصّادق.
توفّي الحبيب علويّ بن سقّاف الجفريّ المذكور بتريس ، سنة (١٢٧٣ ه) (١) قبيل وفاة شيخه البحر بمدّة يسيرة (٢).
وخلفه ولده العلّامة الفقيه سالم بن علويّ (٣) ، وكان على قضاء تريس ، وجرت بيننا وبينه محاورات ومناقضات ورسائل ؛ وخبر ذلك أنّني لمّا عدت من جاوة مشبّعا بالآمال في الإصلاح .. خطبت في الجامع في سنة (١٣٣٠ ه) إثر الصّلاة ودعوت إلى التّسامح والتّصالح والتّآلف والاجتماع ، فاستاءت لذلك طائفة باطويح ، واشتدّ عليهم أن أتكلّم بمرأى ومسمع من حضرة السّيّد العلّامة عليّ بن محمّد الحبشيّ ، وربّما فهموا من السّياق تعريضا بانحراف السّيّد عليّ عن سير السّلف الطّيّبين ، فلم أشعر بعد مدّة إلّا بورقة فيها ما يشبه الرّدّ على بعض نقاط من تلك الخطبة الّتي اختزلها بعض الطّلبة (٤) ووزّع نسخا منها بين النّاس ، معزوّة تلك الورقة إلى الفاضل الأديب ـ الّذي أخلص صداقتي فيما بعد ـ السّيّد عيدروس بن سالم بن علويّ الجفريّ ، فكتبت ردّا عليها من لسان القلم عزوته إلى غيري.
وبعد شهر تقريبا وصلتني عدّة أوراق ـ نحو العشر ـ يراد منها دفع ذلك الرّدّ ،
__________________
(١) كانت وفاته عصر يوم الخميس (١٦) ربيع الأول ، ودفن بكرة الجمعة ، وله ذكر في مواضع من «العدة» لابن حميد.
(٢) إذ وفاة الإمام البحر في ذي القعدة.
(٣) ولد السيد سالم بتريس سنة (١٢٦٥ ه) ، ذكره السيد ضياء في «تعليقاته على شمس الظهيرة» (٢ / ٤١١).
(٤) الذي كان يختزل خطب ابن عبيد الله هو تلميذه النجيب السيد محمد بن أحمد بن عمر بن يحيى فلعله هو.