فنقضتها في بضعة أيّام برسالة ضافية الذّيول ، سمّيتها ب : «النّجم الدّرّيّ في الرّدّ على السّيّد سالم الجفريّ» فكانت القاضية ـ في أخبار طويلة مستوفاة ب «الأصل» ـ فلم يكن منه ـ أعني السّيّد سالم بن علويّ رحمه الله ـ إلّا أن جاءني بعد ذلك على شيخوخته ، وصارحني بأنّه لم يراجعني القول إلّا عن إيعاز قويّ ممّن يذبّ عنهم ، وأنّه مكره لا بطل ، وأنّ الصّواب تبيّن له من «النّجم الدّرّيّ» فرجع إليه ، فأكبرته وأعظمت طيب نيّته ، وسلامة صدره ، إلى ذلك الحدّ الّذي يصعب مثله إلّا على أهل الإخلاص ، وقليل ما هم.
ومن العجب العجيب أنّ كلام العلّامة السّيّد سالم بن علويّ رحمه الله في دفاعه عن صاحبه كان مخالفا على طول الخطّ لما قرّره أبوه في «الدّلائل الواضحة» وهي موجودة عنده ، والحقّ فيها أعظم وأوضح ممّا هو في «النّجم» ، وما وقعت عليها إلّا بعد ذلك من يد ولده الفاضل السّيّد عيدروس ، ولو كانت عندي من قبل .. لكانت الحجّة أدمغ والعبارة أبلغ ، ويقيني أنّه لم يكن على ذكر منها حين كتب ما كتب ، توفّي رحمه الله في حدود سنة (١٣٣٦ ه).
وخلفه على القضاء والتّدريس بتريس ولده العالم الجليل ، والفاضل النّبيل عيدروس (١) ، وكان أديبا شاعرا ، جميل الوجه ، نظيف الثّوب ، حسن الشّارة ، كبير الهمّة ، لم تضع الأعادي قدر شأنه وقتما كان على القضاء ، ولكنّه أراد ما أراده الطّغرائيّ في قوله [من البسيط] :
__________________
(١) السيد العلامة الرحالة عيدروس بن سالم ، ولد بتريس في (١٥) شعبان (١٣٠٩ ه) ، وتوفي ببلدة فالو بجزيرة سولاويسي بجاوة يوم الإثنين (١٢) شوال (١٣٨٩ ه).
وهو مؤسس مدارس الخيرات منذ عام (١٣٣٩ ه) ، ولهذه المدارس فروع بلغت إلى (٧٠٠) فرع في أنحاء إندونيسيا ، بها ألوف الطلبة ، تشمل : مدارس رياض الأطفال ، ومدارس المعلمين ، ومدارس تربية المعلمين .. بنيت بمجهودات الأهالي وإرشادات السيد عيدروس ، وقد جعلت لها أوقاف ، وتأتيها تبرعات من أهل الخير. ثم أقامت في (١٣٨٤ ه) مؤسسة الخيرات جامعة إسلامية تشمل (٣) كليات : الآداب ، والتربية ، والشريعة.
ترجم له عارف قدره ومعاصره السيد ضياء شهاب في «التعليقات» : (٢ / ٤١٢ ـ ٤١٣) ، ونشرت خبر موته الصحف الإندونيسية وكتبت فيه المقالات.