معارف ، وعنه أخذت علم النّحو والصّرف ، وكان يؤثرني ويقدّمني على النّاس ، حتّى لقد قال لي مرّة ـ عن تدبير والدي ـ : (إن حفظت لاميّة الأفعال .. فلك ريال) فقرأتها عليه في الصّباح ، ثمّ قلت له من العشيّ : اسمعها. وسردتها عن ظهر قلب وتسلّمت الرّيال ، غير أنّ همّتي كانت ضعيفة في الصّرف ولا سيّما القلب والإبدال فتفلّت عنّي أكثره.
وكان الشّيخ ـ رحمه الله ـ متخصّصا في هذين العلمين ، كثير الإكباب عليهما ، والولوع بهما والبحث فيهما ، وله مؤلّفات عديدة وأشعار كثيرة (١).
وكان شديد التّعلّق بوالدي (٢) ، جمّ القراءة عليه. ثمّ كان يحضر دروسي في التّفسير والفقه والحديث ، ولقد زارني مرّة في سنة (١٣٥٢ ه) فقال : (لقد عددنا ستّين ماتوا ممّن كانوا يحضرون دروسك الشّيّقة). توفّي على أبلغ ما يكون من الثّبات بسيئون أوائل سنة (١٣٥٥ ه) (٣).
ومنهم : أخوه أحمد بن محمّد باكثير ، كانت له خيرات ومبرّات ، وصلة أرحام ، وكفالة أيتام ، وقضاء حاجات ، وتفريج كربات ، توفّي بسيئون سنة (١٣٤٣ ه) (٤).
ومنهم : ولده عبد القادر ، كان تقيّا ، متشدّدا في العبادة ، متحرّيا في الطّهارة ، آخذا بالعزيمة ، سريع الحفظ ، يكاد يحفظ من مرّة واحدة ، وهو الّذي جمع بعض ما كنت أرتجله في المحافل المشهودة من الخطب الطّويلة ، وكنت أظنّه الشّيخ محمّدا ، لأنّه هو الّذي دفعها إليّ حتّى أخبرني ولده الأديب عمر بن محمّد بأنّ الجامع
__________________
«البنان المشير» ، و «تاريخ الشعراء» (٥ / ١٠٤ ـ ١٢١).
(١) عدد تلميذه السيد عبد الله السقاف (٢٣) مؤلفا من مؤلفاته. ينظر «الشعراء» (٥ / ١٠٩ ـ ١١٠) (٢) ومن ثمرات هذا التعلق : تلك الوصية العظيمة التي كتبها الحبيب عبيد الله ـ والد المؤلف ـ للمترجم ، بلغت مجلدا كبيرا ، عدد صفحاته (٣٩٧) صفحة بالخط العادي ، مؤرخة في محرم (١٣١٨ ه).
(٣) وقصة وفاته : أنه كان جالسا في مجلس الدرس ، يقرأ عليه القارىء في «الجامع الصغير» للسيوطي ، فلما بلغ حديث : «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله» .. نطق بها ومات لتوه.
(٤) ترجمته في «البنان» (١٥٢ ـ ١٧٥).