يبالغ في إكرامه ويعترف بفضله ويقدّمه في الصّلاة ؛ إذ كان غزير العلم ، وفير الحلم ، جميل المحاضرة ، لطيف المحاورة.
لا طائش تهفو خلائقه ولا |
|
خشن الوقار كأنّه في جحفل (١) |
فكه يجمّ الجدّ أحيانا ، وقد |
|
يضنى ويهزل حدّ من لم يهزل (٢) |
وقد أخذت عنه ولبست منه مرارا ، وسمعت عنه السّلسلات ، وقرأت عليه ، توفّي بمكّة المشرّفة سنة (١٣٣٠ ه).
وأمّا أخوه السّيّد شيخ بن محمّد الحبشيّ (٣) .. فقد كان شهما كريما ، ونزهة نديما ، سليم الذّوق ، مائيّ الأخلاق.
فلو كان ماء .. كان ماء غمامة |
|
ولو كان نوما .. كان تعريسة الفجر (٤) |
له شعر جيّد ، وأدب غضّ ، ونكات لطيفة ، ونوادر عجيبة. وكان بيني وبينه إخاء وودّ ، وكان لا يبالي في زيارتي والتّردّد عليّ بلوم لائم ممّن على شاكلة باطويح. توفّي بسيئون سنة (١٣٤٨ ه) ، ودفن بقبّة أخيه.
وبما أنّ السّيّد شيخا كان عذب الشّمائل ، رقيق الحاشية ، ميّالا إلى الأشعار الغزليّة ، كثير الولوع بشعر ابن الفارض .. تذكّرت أنّ الجعبريّ زار قبر ابن الفارض فرآه مشعّثا مغمورا بالتّراب ، فأنشد [من الطّويل] :
مساكين أهل العشق حتّى قبورهم |
|
عليها تراب الذّلّ بين المقابر (٥) |
__________________
(١) البيتان من الكامل ، وهما لأبي تمّام في «ديوانه» (٢ / ١٩).
(٢) يجمّ الجدّ : يتركه ، وهو مستعار من إجمام الفرس ، إذا تركه صاحبه فلم يركبه.
(٣) ولد السيد شيخ بسيئون سنة (١٢٦٤) ، وتوفي بها سنة (١٣٤٨ ه) ، ترجمته في : «تاريخ الشعراء» (٤ / ٢٠٩ ـ ٢١٨) ، وله رحلة إلى مصر وإستنبول سمّاها : «الشاهد المقبول في الرحلة إلى مصر والحجاز واستنبول».
(٤) البيت من الطّويل. تعريسة الفجر : نومة المسافر واستراحته عند الفجر.
(٥) روى العلّامة جعفر بن أحمد السرّاج في كتابه «مصارع العشّاق» (١ / ١٣٠) عن ابن المعتزّ بيتين في عكس هذا البيت ، وهما :
مررت بقبر مشرق وسط روضة |
|
عليه من الأنوار مثل الشّقائق |