وكنت أستشكل لؤم أهل سيئون الّذي لا ينتهي إلى حدّ حتّى رأيت هذا ، فإنّها وإن كان فيها ناس من أولي الأصول الطّيّبة والبيوتات الشّريفة .. فإنّ الاختلاط مدعاة الفساد ، وهو موجود بكثرة من الرّضاع والمصاهرة وغيرهما ، وقد قال الأوّل [أوس بن حجر في «ديوانه» ٥٦ من الوافر] :
إذا الحسب الصّميم تداولته |
|
بناة السّوء .. أوشك أن يضيعا |
وارجع إلى ما ذكرته في القطن.
وقد سلّني الله من أهل سيئون كما تسلّ الشّعرة من العجين ، فجاء موضع قول أبي الطّيّب [في «العكبريّ» ٤ / ٧٠ من الوافر] :
وما أنا منهم بالعيش فيهم |
|
ولكن معدن الذّهب الرّغام |
على أنّني لم أكن منها ، وإنّما أنا من حوطة مستقلّة ، بضاحيتها الشّرقيّة.
أمّا ما أخرجه الأصفهانيّ بسنده في «الأغاني» [١١ / ٢٦٥] أنّ حضرميّا بالكوفة خطب امرأة من بني أسد ، فأخذ يسأل عن حسبها ونسبها ، فقال الأقيشر المعروف [من الرّمل] :
حضرموت فتّشت أحسابنا |
|
وإلينا حضرموت تنتسب |
إخوة القرد وهم أعمامه |
|
برئت منكم إلى الله العرب |
.. فجزاف غير مقبول ، وهجاء الأقيشر غير ضائر ؛ لشهرته بالفسوق ، ولكنّ الفرزدق يقول في هجاء عبد الله بن أبي زياد الحضرميّ [من الطّويل] :
ولو كان عبد الله مولى هجوته |
|
ولكنّ عبد الله مولى مواليا |
أراد بالموالي : الحضرميّين ، وكانوا موالي بني عبد شمس بن عبد مناف ، وعبد الله مولى الحضرميّين .. فهو مولى موالي ، ولكنّه أعلم أهل البصرة بالنّحو ، وعنه أخذ أبو عمرو بن العلاء وأبو الخطّاب الأخفش ، ويونس بن حبيب ، وعيسى بن عمر. وكان يلحّن الفرزدق .. فهجاه ، توفّي سنة (١١٧ ه) ، عن ثمانية وثمانين عاما.