تراجعني فيها الهوى أمّ شادن |
|
وأجفانها تجري وأشجانها تغلي (١) |
وتلوي بليّتها مخافة طفلة |
|
ترى ما بها من حسرة البين أو طفل |
تصدّ لإيهام الأطيفال تارة |
|
وتقبل أحيانا بفوّارتي وبل (٢) |
ويمنعها سوق المقال نشيجها |
|
سوى كلمات ساقطتها على رسل |
تقول : إلى أين السّرى بعد ما ترى؟ |
|
فليس لنا ذرع على فرقة الشّمل (٣) |
فقلت : قريبا تنطوي مدّة النّوى |
|
ويعقبها من فضله الله بالوصل |
والشّوط بطين جدّا من أمثال هذا ، ولكن لا حاجة لإثارة الأشواق ، وتجديد الأحزان ، ولقد كانت لي أخت صالحة تجرمت لها الأعوام في الأمراض المزمنة والأوجاع المؤذية ، وعرضنا عليها أن تمرّض في بيتنا .. فامتنع زوجها ، فكانت لا تغبّنا زيارة مع ضعفها ، تستشفي برؤيتنا واستنشاق هوائنا ، حتّى اشتدّ بها المرض وألحّ عليها الألم ، فكانت تأمر أن تحمل لتطلّ من نافذة يتراءى لها منها مكاننا ، فقلت في جملة رثائها [من الطّويل] :
وكم هزّها شوق لمسقط رأسها |
|
فناء بها ضعف فجاش لها وبل |
تذوب حشاها حسرة كلّما بدا |
|
مصلّى أخيها أو تراءى لها النّخل |
وكان سيّدنا الجدّ سقّاف بن محمّد يحرص كثيرا على سرور أهل بلاده ، حتّى إنّه ليرتقي سطح داره في أيّام الصّيف والخريف فإن لم يسمع غناء ولا طبلا .. تكدّر ؛ لأنّهم لا يخرجون بتركه عن عادتهم في ذلك إلّا لمكدّر عيش ، ومشوّش بال. وكانوا مع فرط الصّفاء وترادف السّرور في فقر مدقع متساوين فيه ، وإن وجد لدى أحد شيء من المال .. لم يعرف أثره في لباسه ، ولا في أثاثه ولا في داره ، وإنّما يظهر أثره في
__________________
(١) الشّادن : ولد الغزال عندما يطلع قرناه ويستغني عن أمّه.
(٢) الفوّارة : العين الّتي يفور ويجري ولا ينقطع ماؤها. الوبل : المطر الشّديد وهو هنا كناية عن فوران العينين بالدموع.
(٣) ذرع : قوّة وطاقة.