وفي ترجمة عليّ بن الجديد من «تاريخ الجنديّ» : أنّه من أشراف هناك يعرفون بآل أبي علويّ ، بيت عبادة وصلاح ، على طريق التّصوّف ، وفيهم فقهاء يأتي ذكر من أتحقّق منهم إن شاء الله تعالى.
ومن مجموع ما سقناه مع ما سبق من مبالغة «العقد الثّمين» .. تعرف أنّ تلك المبالغات ـ من غير شهادة الآثار ـ مبنيّة على ممادح العناوين الّتي لا يراد من أكثرها إلّا مجرّد الثّناء ، وهو شيء معروف بين النّاس.
والثالثة : هي : أنّ قريشا ـ ومن على شاكلتهم من العرب ـ انصرفوا لتلك العصور عن طلب العلم ؛ لما في طريقه من الذّلّ الّذي يمنعهم الشّرف ـ بعد الطّفوليّة ـ عن امتهان أنفسهم فيه ، ولذا قلّ ما يوجد العلم فيهم إلّا في النّدرى ؛ كالباقر وأخيه ، والصّادق وابنه ، والإمام أحمد بن عيسى بن زيد ثمّ المرتضى وأخيه والنّاصر للحقّ من بعدهم.
وهناك دسيس آخر ، وهو : أنّ الملوك لا ينصفون العلماء منهم ، ولا ينعمونهم به عيونا ؛ لأنّ للعلم سلطانا فوق كلّ سلطانهم ، فلا بدّ للمستبدّ أن يستحقر نفسه ـ ولو في سرّه ـ كلّما وقعت عينه على من هو أرفع منه سلطانا ، فإن اضطرّ إلى العلم .. اختار المتصاغر المتملّق.
وإذا كان الأمويّون والعبّاسيّون يطاردون العلويّين لمجرّد بسوقهم في الشّرف (١) .. أفتراهم يسكتون عنهم لو جمعوا إليه عزّة العلم وسلطان المعرفة؟ هذا ما لا يتصوّر بحال.
وقد أخرج ابن الصّلاح في «رحلته» عن الزّهريّ ، قال : (قدمت على عبد الملك ابن مروان. فقال : من أين أقبلت؟ قلت : من مكّة. قال : من يسود أهلها؟ قلت : عطاء بن أبي رباح. قال : من العرب هو؟ قلت : لا ، بل من الموالي. قال : بم سادهم؟ قلت : بالدّيانة والرّواية. قال : فمن يسود أهل اليمن؟ قلت :
__________________
(١) البسوق : الطّول ، وهو هنا كناية عن الرّفعة والسّموّ.