فمن الإشكالات : أنّ الحسيّسة ـ وهي محلّ السّكنى ـ لم تكن بذلك الارتفاع ولا بقريب منه ، وإنّما كانت بسفح الجبل وحضيضه ، وآثارها ظاهرة به إلى اليوم .. فكيف يخافون على الميت في قبره ما لا يخافونه على الأحياء في دورهم؟!
ومنها : أنّه لو كان ماء السّيل الرّاجع عن سدّ سنا يصل ولو إلى ربع ارتفاع الموجود .. لأغرق شباما فضلا عمّا دونها ، حسبما قلنا في الكسر.
ومنها : أنّ تريم ، وبور ، وتنعه ، والعجز ، وثوبه ، كانت موجودة من قبل انهيار سدّ سنا ، ولو كان رجع الماء عنه يضرّها .. لما أمكن بقاؤها.
وأمّا الفائدة الّتي لم نسمع بها إلّا من هذا الكلام .. فهي : أنّ الخدّ بالأرض لم يكن إلّا من بعد الفقيه المقدّم ، المتوفّى سنة (٦٥٢ ه) ، ومعلوم أنّه لن يكون دفعة ، بل بالتّدريج ، في الّذي يلي السّدّ ، ثمّ في الّذي يليه ، وهكذا كما يشهد له الحسّ ، فمسيال سرّ الواقع الآن بين الحسيّسة وبور لا ينخفض الآن عن سطح الأرض بأكثر من نحو ستّة أذرع .. إن لم يكن بأقلّ.
وجاء في «النّور السّافر» [ص ١١٨] عن تريم أنّها كانت في قديم الزّمان عامرة جدّا ، وأمّا الآن .. فهي ضعيفة إلى الغاية (١) ، إلى أن قال : (والظّاهر أنّ سبب خرابها سيل العرم الّذي أرسله الله على سبأ ، فانقطعت عنها المياه الّتي كانت تزرع عليها ، فسبحان من يقلّب الأمور) اه
وهذا أيضا فيه فائدة وإشكال :
أمّا الفائدة فهي : الإشارة إلى أنّ حضرموت كانت تشرب من المياه المخزونة بسدّ مأرب ، وهو موافق لما ذكرته في «الأصل» عن الخزرجيّ و «شرح الأمثال» للميدانيّ ، إلّا أنّه قد يغبّر عليه ما جاء في «إكليل الهمدانيّ» (ص ٤٦ ج ٨) من قوله [من البسيط] :
__________________
(١) مفاد الكلام هنا : أن تريم كانت عامرة ـ أي : بالزروع والنخيل ـ ولكنها ضعفت جدا في أواخر القرن العاشر ، زمن تأليف «النور السافر».