«تاريخه» ، مصرّح بتأخّر ذي القرنين عن شدّاد كما عليه النّاس ، ثمّ إنّه يعد كما في صفحة (١٤٧) بغرق عدن ، ورجوعها لجّة من لجج البحر ، وعلى الجملة .. ففي الكتاب تجازيف ـ كما قلنا ـ لا تبرك عليها الإبل ، ولا يسلّم بها من يعقل.
ومنها قوله بصفحة (٣٢) : إنّ بالحجاز نهرا يسمّى : نهر السّبت ، يشتدّ جريه ليلة الجمعة إلى غداة السّبت ، حتّى لا يقدر الإنسان يعبره ، ثمّ يسكن باقي الأسبوع ، ووراء هذا النّهر مئة ألف ألف من اليهود ما بين رجل وامرأة ، ولم يذكر الصّبيان.
أمّا زمن ابن المجاور مؤلّف الكتاب .. فيفهم من قوله في صفحة (١٥) رأيت في المنام ليلة السبت (٦) شعبان (٦٢٤ ه) ... إلخ ، وقوله في صفحة (٩٥) : حدثني بدوي من أهل البلاد بهذا المنزل سنة (٦١٩ ه) ... إلخ.
إلّا أنّ ذلك لا يلتئم مع ما ذكره في صفحة (١١٧) من خراب عدن إلى أن جاء الفرس ووقع سلطان شاه بن جمشيد بن أسعد بن قيصر في عدن ، وتوطّن بها ، فانعمرت بمقامه ، وكان يجلب إليهم ماء الشّرب من زيلع ، ثم بنوا الصّهريج لماء الغيث ... إلى أن قال : ووضع مربط فيله في سنة (٦٢٥ ه) ، فلمّا رأى ذلك .. تولى السّلطنة ، وذكر له من الألقاب ما تستحقر له الأقاليم الواسعة ، ومنها :
مالك رقاب الأمم ، سيّد سلاطين العرب والعجم ، غياث الدّنيا والدّين ، ركن الإسلام والمسلمين ، ظلّ الله في الأرض ، محيي السّنّة والفرض ، سلطان البرّ والبحر ، ملك الشّرق والغرب ... إلى غير ذلك من الأوصاف الّتي أضجرتني .. فتركت أكثرها ، ثمّ ذكر بعده ألقاب تسعة من ملوكهم ، كلّها ضخمة تتفسّخ منها الآكام ، ثم قال :
فهؤلاء ملوك العجم الذين تولّوا عدن ؛ فإنّ عمره لا يتّسع لزمان هؤلاء ، ما لم تكن مدّة كلّ منهم أقصر من ظمء الحمار (١) ، وبين يديّ الآن «صبح الأعشى» [٥ / ١٨ ـ ٣٣] وقد ذكر ملوك اليمن جاهليّة وإسلاما ، وجعلهم عشر طبقات : العادية ،
__________________
(١) مثل يضرب في شدة قصر المدة ، قال الميداني في «مجمع الأمثال» (٢ / ١٢٦): (قالت العرب ذلك ؛ لأنّ الحمار لا يصبر عن الماء).