ثمّ زارني البحّاثة المؤرّخ سارجنت يحمل كتابا اسمه : «تاريخ المستبصر» طبع بليدن سنة (١٩٥١ م) ، مؤلّفه جمال الدّين أبو الفتح يوسف بن يعقوب الشّيبانيّ الدّمشقيّ المعروف بابن المجاور ، فإذا بعبارة ضعيفة ، ومناقضات وتجازيف تطلب كثيرا من البساطة ، وقد نقل في (ص ٩٥) منه عن المفيد بجياش ابن نجاح الحبشيّ قال : إنّ ذا القرنين لمّا وجد شدّة الحرّ .. نقب باب المندب ، فخرج البحر حتّى وقف عرق منه بالقلزم ، وحصل الفرق بذلك بين العرب والحبش ، وبنى بعض العرب على جبل المندب حصنا.
وقال في (ص ١٠٦) : إنّه كان لا يرى من عدن إلّا رؤوس الجبال ، حتّى فتح باب المندب ، فجرى البحر إلى القلزم وعرض وانبسط .. فبانت أرض عدن.
ومثله في (ص ١٠٧) و (١١٥) ، وغير ذلك ، ودلل في (ص ١٠٦) بما أكثره عليه لا له ؛ منه : أنّ شدّاد بن عاد لم يبن إرم ذات العماد إلّا ما بين اللّحيّة ولحج ، وبين المعادي الّتي على طريق المفاليس ، ولم يكن ثمّ بحر ، وإنّما استجدّ البحر بفتح ذي القرنين. اه مختصرا.
فإنّه لو كان موضع إرم ذات العماد مغمورا بالبحر .. لما أمكن البناء فيه ، وقد قال في (ص ١٤٨) : إنّ المعادي قريب من عدن ، فهل كان قاعا صفصفا ثمّ انغمر بالبحر حتّى كان فتح ذي القرنين لباب المندب فعادت إلى حالتها الأولى؟!
وسيأتي في العرّ أنّه اسم لجبل عدن ، وقال ابن المجاور في (ص ١٠٧) ناقلا عن «تفسير أبي عبد الله الكبيساني» : لمّا خرج شدّاد بن عاد من أرض اليمن .. طالبا أعراض حضرموت ، ووصل لحجا .. نظر جبل العرّ في مسافة بعيدة ، فقال لأصحابه : اغدوا فانظروا ما دون هذا الجبل ، فقالوا : واد فيه شجر وأفاع عظام ، وهو مشرف على البحر المالح ، فنزل بلحج ، وأمر بأن تحفر الآبار الّتي يشرب منها أهل عدن ، وأمر أن ينقبوا له باب المندب في صدر الوادي ، واستعان عليه بعفريت من الجنّ ، فنقره له في سبعين سنة ، وتمّ له الأمر على ما أراد. اه باختصار ، فهذا كلّه شاهد بأنّ أرض عدن كانت كحالها اليوم في أيّام شدّاد ، وهو في غير موضع من