إذا قال .. لم يترك مقالا لقائل |
|
بمبتدعات لا ترى بينها فصلا (١) |
كفى وشفى ما في النّفوس فلم يدع |
|
لذي إربة في القول جدّا ولا هزلا |
والأدلّة حاضرة ، وما بين العينين لا يوصف ، ولهو الأحقّ من القزّاز القيروانيّ بقول يعلى بن إبراهيم فيه [من الكامل] :
أبدا على طرف اللّسان جوابه |
|
فكأنّما هو دفعة من صيّب |
وقد عرفت من قوله في حافظ .. أنّه من سادات المنصفين ، ولي معه من ذلك ما يؤكّده ، وقد ذكرت بعضه في خطبة الجزء الثّاني من «الديوان».
وفي سنة (١٣٣٤ ه) توجّه من حضرموت إلى الهند ليقطع علائقه منها ويبيع دارا له بها ، وبينا هو يجمع متاعه للسّفر النّهائيّ إلى مسقط رأسه ، ومربع أناسه الّذي لا يزال يحنّ إليه بما يذيب الجماد ، ويفتّت الأكباد ؛ كقوله [في «ديوانه» ١٨٧ من البسيط] :
بالهند ناء أخي وجد يحنّ إلى |
|
أوطانه وسهام البين ترشقه |
إلى العرانين من أقرانه وإلى |
|
حديثهم عبرات الشّوق تخنقه |
.. إذ وافانا نعيه في جمادى الآخرة من سنة (١٣٤١ ه) (٢).
فضاقت بنا الأرض الفضاء كأنّما |
|
تصعّدنا أركانها وتجول (٣) |
فاشتدّ الأسى ، ولم تنفع عسى ، وكادت الأرض تميد ، لموت ذلك العميد ، وطفق النّاس زمانا.
يعزّون عن ثاو تعزّى به العلا |
|
ويبكي عليه الجود والعلم والشّعر (٤) |
__________________
(١) البيتان من الطّويل ، وهما لسيّدنا حسّان بن ثابت رضي الله عنه في «ديوانه» (٤١٢).
(٢) كانت الوفاة بحيدرآباد الدكن ليلة الجمعة (١٠) جمادى الأولى .. وسبب تأخره وطول المدة بين سفره من تريم سنة (١٣٣٤ ه) مع عزمه على الرجوع ومن ثم موته بالهند .. إنما هو نشوب الحرب العالمية الأولى وصعوبة السفر آنذاك وخطورته ، لا سيما عبر المحيط الهندي.
(٣) البيت من الطّويل.
(٤) البيت من الطّويل ، وهو لأبي تمّام في «ديوانه» (٢ / ٣٠٤).