وبعد وفاة السّيّد عليّ بن عبد الرّحمن انتهت إليه رياسة العلم بتريم جميعها ، فوفّاها حقّها ، وانتفع به القاصون والدّانون انتفاعا جمّا ، وكان هذا الرّباط بذرة خير أثّت وربت في جميع البلاد (١) ، وما زال على ذلك إلى أن توفّي سنة (١٣٦١ ه) ، فعظمت الرّزيّة بموته ؛ لأنّ معوز فقده لم يرقع كما كان من قبله.
وخلفه على رئاسة العلم بتريم والتّدريس العامّ في الرّباط وغيره : أخونا الفاضل الجليل ، النّاطق بالحقّ ، الحافظ لسير السّلف الصّالح ، علويّ بن عبد الله ابن شهاب (٢) ، مدّ الله في أيّامه ، ونفع به.
وبقيت إدارة تعليم الرّباط للسّيّد محمّد بن عبد الله بن عمر الشّاطريّ (٣) وأخويه حسن وأبي بكر فنرجو أن يسلكوا ذلك المنهاج ، ويستضيئوا بذلك السّراج ؛ ليبقى الرّباط على مثل حاله من الإنتاج.
ثمّ إنّ لطبقة الفقيه المقدّم فمن بعده من الأعمال والرّياضات ومجاهدات النّفوس ما لا تستقرّ له العقول ، ولا تتصوّره الأفكار ، ولا تقدر على تصديقه القلوب إلّا بعد ضرب الأمثال من المشاهدات ، وقياس أولئك على من بقي من فريقهم وانتهاج طريقهم إلى أوائل أعمارنا ؛ فقد شاهدنا وشاهد أقراننا كثيرا ممّن على ذلك النّمط ، حسبما مرّ في سيئون ، ممّا يصدّق قول المغربيّ (٤) السّابق : إنّهم بالملائكة أشبه.
__________________
أسس أربطة في بلده .. كالعلامة الجليل الحسن بن إسماعيل الحامد (ت ١٣٦٧ ه) صاحب رباط عينات ، والعلامة السيد محمد الهدار (ت ١٤١٨ ه) صاحب رباط البيضاء ، والعلامة السيد عبد الله بن عبد الرحمن بن الشيخ أبي بكر (ت ١٣٨٤ ه) صاحب رباط الشحر ، وغيرهم كثير ، وما هؤلاء إلا نماذج وأمثلة رحمهم الله تعالى.
(١) أثّت : كثرت وعظمت. ربت : نمت.
(٢) هو الحبيب الإمام الورع الصالح الزاهد الولي علوي بن عبد الله بن عيدروس بن شهاب الدين ، مولده بتريم في محرّم سنة (١٣٠٣ ه) ، وبها وفاته في (١٢) رمضان سنة (١٣٨٦ ه) ، أفرده بالترجمة السيد النحوي اللغوي عمر بن علوي الكاف (ت ١٤١٢ ه) بكتاب سمّاه : «تحفة الأحباب».
(٣) وهو الملقب بالمهديّ ، مولده بتريم سنة (١٣٢٨ ه) ، درس في الرباط ولازم والده وتخرج به ، وقام بشؤون الرباط بعد والده ، وبعد هجوم الشيوعيين على الحكم في البلاد .. هاجر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة ووافته منيته في أبو ظبي في محرم سنة (١٤٠٥ ه).
(٤) يشير إلى «رحلة المغربي إلى تريم» التي جرت في سنة (٨٦٥ ه) ، وهو شخص مجهول لا يعرف