منها : أنّ خروج القاضي إلى الحاوي إمّا لتحليف الحدّاد على عين المدّعى به ؛ لاشتباهه وتعذّر نقله ، وإمّا لأنّه لا يليق به الحضور إلى مجلس الحكم.
والمسألة حينئذ خلافيّة ، فبعضهم يلزمه الحضور لأجل اليمين ، وبعض يلزم القاضي إرسال من يحلّفه في مكانه ، وهو الّذي أظنّني رجّحته ، والبحث مستوفى في المسألتين (٥٧٠) و (٩٧٦) من كتابي : «صوب الرّكام في تحقيق الأحكام».
وقد اختلف السّلف في الصّبر لليمين ، فكرهه بعضهم حتّى خرج من المال أنفة ، ولم ير به آخرون بأسا.
وقد ترافع محمّد بن داود الظّاهريّ مع خصم له إلى القاضي إسماعيل بن إسحاق ، ولمّا توجّهت اليمين على ابن داود .. قال له القاضي : أيحلف مثلك يا أبا بكر؟ قال : ما يمنعني وقد أمر الله نبيّه بالحلف في ثلاثة مواضع من كتابه؟ قال القاضي : أين ذلك؟!
قال في قوله سبحانه وتعالى : (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ) وقوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ) وقوله : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ)
والقصّة مبسوطة في كتابي : «بلابل التّغريد».
وفي المسألة (١٣٨١) من «الصّوب» صرّح الإمام في «النّهاية» (١) بأنّ اليمين لا تجب ، وأقرّه الرّافعيّ ، لكن قال ابن عبد السّلام : ليس على إطلاقه :
أمّا يمين المدّعى عليه : فإن كانت كاذبة .. فحرام ، وإن كانت صادقة : فإن كان الحقّ مما يباح بالإباحة ؛ كالمال .. وجبت اليمين دفعا لمفسدة كذب خصمه .. إلى آخر ما أطلت به.
ومنه : أنّ ابن حجر استوجه عدم وجوب اليمين فيما يقبل الإباحة ، ووجوبها فيما لا يقبله إذا تعيّنت. والله أعلم.
__________________
(١) أي إمام الحرمين في «نهاية المطلب».