رائحة العبودية ، فإن بنية فعيل قد تكون بمعنى الفاعل ، والاسم الولي الذي قد تسمى به الله بمعنى الفاعل ، فينبغي أن لا ينطلق ذلك الاسم على العبد ، وإن أطلقه الحق عليه فذلك إليه تعالى ، ويلزم الإنسان عبوديته وما يختص به من الأسماء التي لا تنطلق قط على الحق لفظا.
(الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) (٦٣)
الإيمان لا يكون إلا بعد سماع الخبر وعقله ، وقلنا إن الولاية مكتسبة والتعمل في تحصيلها اختصاص ، فمنهم من تحصل له الولاية بالصدقة والقرض الحسن وصلة الرحم ، ومن الناس من تحصل له بمراقبة الله والمبادرة لأوامره التي ندب إليها لا التي افترضها عليه ، وهو قوله : [ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا ومؤيدا] ومن الناس من تحصل له بالمسارعة إلى ما أوجب الله عليه من الطاعات وافترضها عليه ، فأخذ أوامره على الوجوب ولم يتأول عليه كلامه ولا أمره.
(لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٦٤)
(الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى) جعل الله تعالى البشرى للمؤمنين العاملين بما آمنوا به ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم سئل عن الإيمان فقال : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وأن يؤدو الخمس من المغنم ، ونهاهم عن الدّبا والحنتم ، والمزفت والنقير ، وقال : احفظوه وأخبروا به من وراءكم ـ ففسر الإيمان بالأفعال ، وهو الذي أراد بالمؤمنين هنا ، زيادة على التصديق ، لأن البشرى الواردة في القرآن للمؤمنين مقرونة بالأعمال الصالحة ، قال تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ ، وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ ، يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ) فما بشر إلا العاملين بما آمنوا به ، فقوله تعالى : (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) جزاء ، مؤكدا لبشراهم بإجابة داعي الحق بالعبادات ، وقوله تعالى : (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) هذا عموم الدنيا ، فما ينقلب أحد من أهل السعادة إلى الآخرة حتى يبشر في الدنيا