وهناك وجوه أخر لتقريب الإطلاق لا مجال لإطالة الكلام فيها.
الثالث : حكم العقل ، فقد ذكر بعض الأعاظم قدسسره أن الوجوب هو الثبوت ، وهو يكون في التشريعيات عقليا ، تبعا لصدق عنوان الإطاعة على الفعل ، فإذا صدر بعث من المولى لشيء ولم تقم قرينة على كون المصلحة غير لزومية انطبق عنوان الإطاعة على الانبعاث عن بعثه ، فيجب عقلا. نعم لو قامت قرينة على كون المصلحة غير لزومية لم يكن الانبعاث إطاعة فلا يجب عقلا.
وفيه : أن محل الكلام ليس هو الوجوب العقلي التابع لوجوب إطاعة الآمر ، بل ما يساوق الإلزام التابع ثبوتا لخصوصية في الخطاب ، والذي لا يختص بخطاب من تجب طاعته عقلا كما سبق ، والوجوب العقلي تابع للإلزام المذكور ثبوتا ، لا لعدم وصول الترخيص في الترك.
ولو فرض حكم العقل بوجوب الانبعاث مع الشك في الإلزام وعدم وصول الترخيص ، فهو حكم آخر طريقي ظاهري في طول الحكم بوجوب الإطاعة وقبح المعصية واقعا ، نظير الحكم بوجوب الاحتياط مع الشك في الفراغ ، ومن المعلوم من مذهبه عدم بنائه عليه ، بل على البراءة ، كما لو تردد الأمر بين الوجوب والاستحباب ، لعدم الدليل ، أو لإجماله ، أو لتردده بين ما هو ظاهر في الوجوب وما هو ظاهر في الاستحباب. وقد تقدم في التنبيه الأول في ذيل الكلام في حقيقة الأحكام التكليفية ما يتعلق بالمقام.
ومثله ما ذكره بعض مشايخنا من أن مفاد هيئة الأمر إبراز جعل المادة في عهدة المكلف واعتبارها في ذمته ، فيجب عليه عقلا السعي لتحقيقه والخروج عما انشغلت به ذمته ما لم يرخص المولى نفسه في الترك. فالوجوب مستفاد من حكم العقل ، لا من الصيغة ، بل هي مطلقا للإبراز المذكور ، وليس الفرق بين الوجوب والاستحباب ثبوتا إلا في لزوم المصلحة وعدمه ، وإثباتا إلا في