ولذا كان ديدنهم فيما لو خوطب بجملة أمور قام الدليل على عدم الإلزام ببعضها البناء على الإلزام في الباقي ، كما لو قيل : أكرم زيدا وعمرا وبكرا ، وقام الدليل على عدم وجوب إكرام بكر ، مع أنه لو ابتنت إرادة الطلب غير الإلزامي من الصيغة على الخروج بها عما وضعت له من الإلزام لم يكن وجه لاستفادة الإلزام في الباقي ، كما لعله ظاهر. ومن ثم كان الظاهر وضع الصيغة لمطلق البعث.
وحينئذ يتعين النظر في وجه الحمل على الإلزام مع عدم القرينة الصارفة عنه.
ولهم في ذلك طرق ..
الأول : الانصراف لخصوص الإلزام ، لكثرة الاستعمال في الطلب الإلزامي ، أو لغلبة وجوده ، أو لأكمليته. وفيه ـ مع أنه ليس شيئا مما ذكر معيارا للانصراف ، بل معياره المناسبات الارتكازية المعينة لبعض الأفراد ـ : أن الاستعمال في غير الإلزامي وكذا وجوده ليس بأقل ، بل هما في خطابات الشارع الأقدس أكثر ، فإن المندوبات والمكروهات أضعاف الواجبات والمحرمات ، وأما الأكملية فهي مبنية على كون المعيار في الإلزام شدة الإرادة والكراهة وتأكدهما ، وقد سبق المنع منه عند الكلام في حقيقة الأحكام التكليفية ، وأن المعيار أمر آخر ذكرناه هنا وهناك.
الثاني : أنه مقتضى الإطلاق. لما في الكفاية من أن الندب كأنه يحتاج إلى مئونة بيان التحديد والتقييد بعدم المنع من الترك ، بخلاف الوجوب ، حيث لا تحديد فيه للطلب ولا تقييد. وفيه : أن عدم المنع من الترك في الاستحباب ليس من سنخ التقييد للطلب لينفى بالإطلاق ، بل هو أمر مقارن له خارج عنه مطابق للأصل ، فلا وجه لنفي الإطلاق له.