البعثية الملاءمة لكل منهما.
وقد ذهب جماعة من الأصوليين إلى الأول. ومرجع أدلتهم وجهان :
أولهما : التبادر مع عدم القرينة الحالية والمقالية ، ولذا يصح إطلاق الأمر على مفاد الصيغة ـ الذي سبق عدم صدقه إلا مع الإلزام ـ ويصح الذم على مخالفته ، كما ورد في قضية امتناع ابليس من السجود لآدم ، مع كون الخطاب به بالصيغة. كما أنه لا يصح عرفا الاعتذار باحتمال الندب في فرض عدم القرينة الصارفة عن الوجوب.
وثانيهما : استعمالها في كثير من الآيات والروايات ولسان أهل العرف في مقام بيان الإلزام من دون حاجة إلى ضم القرينة بالوجدان.
ومنه يظهر أنه لا مجال لدعوى أن الاستعمال أعم من الحقيقة ، إذ هي إنما تتجه مع احتمال القرينة ، لا مع القطع بعدمها. كما لا مجال لمعارضة ذلك باستعمالها في الندب ، بعد عدم الإشكال ظاهرا في بناء العرف والمتشرعة على احتياجه للقرينة.
نعم ، إنما ينهض هذان الوجهان بإثبات أن الوضع لخصوص الطلب الإلزامي إذا لم يكن الطلب الإلزامي مقتضى الأصل في مفاد الصيغة أو القرينة العامة التي يلزم الحمل عليها مع عدم المخرج عنها ، حيث ينحصر منشؤهما بالوضع حينئذ. أما إذا احتمل ذلك أو ثبت فلا ينهضان بإثبات الوضع ، لإمكان استنادهما حينئذ للأصل أو القرينة المذكورة دون الوضع. ويأتي توضيح ذلك إن شاء الله تعالى.
هذا ، والمعروف بين محققي المتأخرين الثاني. والعمدة في وجهه : أن الطلب غير الإلزامي وإن احتاج للقرينة ، إلا أن إرادته من الصيغة لا تبتني ارتكازا على العناية والخروج بها عن معناها ، بل هي لا تدل ارتكازا إلا على محض البعث القابل للأمرين.