يضيق المقام عن استيعابها وتعقيبها.
ولعل الأولى أن يقال : تقدم في التنبيه الثاني من لواحق الكلام في المعنى الحرفي أن الظاهر اختصاص الجمل المذكورة بإيقاع النسب التي تضمنتها بداعي الإخبار والحكاية عن وقوع مضامينها في ظرفها ، فلو خرجت عن ذلك كانت مجازات. إلا أنه لا يبعد عدم خروجها في المقام عن الخبرية ، وإن كانت مسوقة بداعي بيان مطلوبية مضمونها ، لأنها مستعملة في مقام الحكاية والإخبار عن حال المأمور والمنهي بلحاظ ما ينبغي وقوعه منه بسبب مطلوبية الشيء أو النهي عنه ، فكأن استعداده للامتثال قد لحظ مفروض الوجود ، والإخبار بوقوع الفعل أو عدمه منه إما أن يبتني على المفروغية عن تحقق الاستعداد المذكور ، لاعتقاد ذلك فيه ، أو لادعائه بسبب ظهور حاله فيه ، أو تشجيعا ، أو ترغيبا ، أو تخويفا ، وإما أن يبتني على كون الإخبار معلقا لبا ومنوطا بكونه في مقام الامتثال وعدم الخروج عما يراد منه.
وبذلك ينهض الاستعمال المذكور بإثبات الطلب أو النهي ، ويصلح لبيان أحدهما ، لكونهما ملزومين للمدلول اللفظي لها ، وهو الإخبار عما يحصل من المكلف من حيثية كونه مطيعا.
وبهذا يمكن توجيه دلالة الجملة الاسمية على الطلب ، كما في مثل قوله تعالى : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ)(١). فيحمل على الإخبار بعدم وقوع هذه الأمور ممن فرض عليه الحج للمفروغية عن كونه في مقام القيام بوظائف الحج ، أو معلقا على ذلك.
هذا والظاهر من المرتكزات الاستعمالية سوقها لبيان أصل الطلب أو الزجر ، لا خصوص الإلزامي أو غير الإلزامي منهما ، ولا بنحو تكون مرددة
__________________
(١) سورة البقرة الآية : ١٩٧.