الأخرويين على الوجه الذي ذكرناه الراجع إلى كون ترتبهما فرع التحبب بالعمل لله تعالى واسترضائه به ، ليكون العبد أهلا لرحمته وبعيدا عن نقمته. وكذا الحال في قصد طلب المحبوب ودفع المحذور الدنيويين ، لا بتناء ترتبها بنظرهم على كونها من سنخ الجزاء منه تعالى للعبد لصيرورته أهلا للرحمة بتقربه إليه ، لا من سنخ اللوازم والآثار الطبيعية الوضعية للعمل المترتبة عليه بنفسه ، ولا من سنخ الأجر المحض عليه ، نظير أجرة الأجير على عمله.
ولو فرض كون ترتب بعضها بأحد النحوين الآخرين ، من دون توسط التحبب للمولى واسترضائه ، فلا بد في صحة العبادة مع قصدها من الداعي القربي واستقلاله في التأثير بحمل النفس على ذلك ولو بترويضها عليه لأجل ترتب المنافع ودفع المضار المذكورة. وإلا أشكلت صحة العبادة ، كما هو الحال في جميع الضمائم غير القربية ، على ما يذكر في مباحث النية من الفقه.
ودعوى : أن المستفاد من النصوص المشار إليها وسيرة المتشرعة اكتفاء الشارع بقصدها في تحقق العبادية تعبدا ، فالعمل معها عبادة تعبدية لا عرفية.
ممنوعة ، بل ظاهر النصوص الحث على العبادة من طريق بيان المرغبات لها ، لا التصرف في مفهومها ، وسيرة المتشرعة مبتنية على مفاد النصوص ، ومرتكزاتهم تناسب ما ذكرنا.
ولو فرض خروج بعض العوام منهم عن ذلك واكتفائهم بالإتيان بالعمل بداعي طلب المحبوب ودفع المكروه الدنيويين أو الأخرويين من دون توسط التقرب للمولى فهو ناشئ عن جهلهم بمفاد النصوص وغفلتهم عما ذكرنا ، لا لاطلاعهم على ما يقتضي الاكتفاء بذلك تعبدا ، لينهض بالخروج عما ذكرنا.
إذا عرفت هذا ، فالكلام يقع : تارة : في الفرق بين التعبدي والتوصلي بحسب حقيقتهما في مقام الثبوت ، وهو الفرق الذي استلزم اختلافهما عملا