الثالث : فرض الإلزام وعدمه في التشريعيتين مع عدم تعقل عدم الإلزام في التكوينيتين إذا أخل بتحقيق المراد ومنع المكروه ، لأن الإرادة والكراهة لما كانتا عبارة عن الشوق والبغض المستتبع لتحريك العضلات لإيجاد المراد ومنع المكروه فالشوق والبغض المذكوران مهما كانت مرتبتهما من الضعف والقوة ـ تبعا لمرتبة ملاكهما ـ إن بلغا مرتبة تحريك العضلات والسعي لتحصيل المراد ومنع المكروه امتنع الترخيص في مخالفة متعلقهما إذا أخل بتحقيق المراد ومنع المكروه ، وإلا لم يبلغا مرتبة الإرادة والكراهة ، وكانا محض رغبة ونفرة لا تستتبعان السعي لتحصيل متعلقهما ومنعه بالخطاب.
ومن جميع ما ذكرنا يظهر ضعف ما يظهر من غير واحد من كون التشريعيتين من سنخ التكوينيتين ، بل من أفرادهما حقيقة ، وانحصار الفرق بينهما بالمتعلق ، فمتعلق التكوينيتين فعل المريد وترك الكاره بنفسيهما ، ومتعلق التشريعيتين فعل المكلّف من قبله وتركه ، فإن ذلك ـ مع منافاته للوجدان الصادق في حقيقة التشريعيتين ـ لا يناسب ما سبق من وجوه الفرق الثلاثة.
وكأن منشأ اختلاط الأمر إطلاق الإرادة والكراهة على الأمرين معا ـ كما أشرنا إليه آنفا ـ وكثرة موارد تقارنهما عند تعلقهما بفعل الغير بسبب كونه واجدا لمصلحة أو مفسدة تقتضيهما معا.
لكن التأمل في الارتكازيات وملاحظة الشواهد المتقدمة قاض بعدم تلازمهما ، فضلا عن اتحادهما ، بل ليس بينهما إلا عموم من وجه موردي ، مع كون التشريعية في مورد الاجتماع معلولة للتكوينية ، بلحاظ أن التكليف من مقدمات وجود المراد ومنع المكروه التكوينيين.
ولا بد في مثل ذلك من علم المكلّف أو احتماله امتثال التكليف ،