حيث لا يراد به نفي كل صفة أخرى عنه ، لما هو المعلوم من عدم خلوّه عن كثير من الصفات ، كالحياة والتكلم وغيرهما ، بل المراد به خصوص نفي بعض الصفات مما تقتضيه قرينة السياق ، كالعلم أو الشجاعة أو غيرهما. وكأن ذلك هو الذي أوجب الالتباس عند بعضهم ، فقد استشكل في التقريرات في دلالتها على الحصر ، لاختلاف موارد استعمالها.
كما أنكر الرازي دلالتها عليه في مقام الجواب عن استدلال الإمامية بقوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ)(١) ، قال : «لا نسلم أن الولاية المذكورة في الآية غير عامة ، ولا نسلم أن كلمة (إنما) للحصر. والدليل عليه قوله تعالى : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ)(٢) ، ولا شك أن الحياة الدنيا لها أمثال أخرى سوى هذا المثل. وقال : (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ)(٣) ، ولا شك أن اللعب واللهو قد يحصل في غيرها).
لكن الآيتين الكريمتين لا تنافيان دلالة (إنما) على الحصر. أما الأولى فلأن وجود أمثال أخر للدنيا إنما يمنع من حملها على الحصر الحقيقي ، دون الإضافي للردع عن توهم أهميتها ، المناسب لركون عامة الناس إليها كأنها باقية لهم ، ولذا حسن الحصر ب (إلا) في نظيره في قول الشاعر :
وما الدهر إلا منجنونا بأهله |
|
وما صاحب الحاجات إلا معذبا |
وكذا الحال في الآية الثانية ، فإن الحصر فيها إضافي توهينا لحال الدنيا وردعا لمن يرغب فيها. لكن مع ابتنائه على التغليب ـ ولو ادعاء ـ إغفالا لما
__________________
(١) سورة المائدة الآية : ٥٥.
(٢) سورة يونس الآية : ٢٤.
(٣) سورة محمد الآية : ٢٦.