فيتعين وروده لبيان تمام ما هو الدخيل في الموضوع والغرض وحمله على القضية الكلية دون المهملة كما لو ورد الخطاب بالإطلاق أو بغيره مما يدل على دخل شيء في موضوع الحكم عند طلب المكلف من المولى بيان ما يعمل عليه فعلا ، حيث يستفاد منه حينئذ عدم دخل أمر غير ما تضمنه البيان المذكور. كما لو قال السائل : أريد أن أسافر فبأي سيارة أركب؟ فقال : لا تركب سيارة صغيرة. فإن المستفاد منه جواز الركوب بكل سيارة غير صغيرة ، مع أن الكلام بنفسه لو لا القرينة المذكورة لا ينهض بذلك. لكن من الظاهر أن حمل المطلق على الإطلاق لا يختص بالمورد المذكور.
الرابع : بناء العقلاء على أصالة كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد في خصوص موارد الإطلاق. وقد استشهد له غير واحد ببناء العرف وأهل اللسان في محاوراتهم على التمسك بالإطلاقات ما لم يفهم من مساق الكلام صدوره لبيان أصل التشريع بنحو القضية المهملة ، نظير قول الطبيب للمريض : لا بد لك من استعمال الدواء ، أو في مقام البيان من خصوص بعض الجهات ، كقوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ)(١) ، حيث ينصرف إلى بيان تحقق الذكاة بالصيد وحلية الأكل مطلقا من حيثيتها ، لا من جميع الجهات ، بحيث لا يجب تطهير محل الامساك ، ولا يفرق بين أقسام الحيوان المصيد ، وغير ذلك مما لا يرجع للتذكية.
ويشكل بأن السيرة المذكورة لا تكشف عن أن الأصل عندهم كون المتكلم في مقام البيان إلا إذا ثبت توقف التمسك بالإطلاق عندهم على إحراز ذلك ، نظير توقفه على عدم التقييد المتصل ، وهو غير ثابت ، بل قد يكون مبنيا على وجه آخر. وغاية ما تكشف عنه السيرة المذكورة أن الإطلاق عندهم
__________________
(١) سورة المائدة الآية : ٤.