لكن تقدم في مبحث التعبدي والتوصلي أن المعيار في الداعوية العقلية ولزوم الإطاعة هو الغرض ، ولا يكفي متابعة الأمر إذا لم يطابقه. مع أن الاختلاف بين وجود الغرض الواقعي ووجوده العلمي إنما يكون مع غفلة المولى وجهله ، ولا يعقل في حق العالم الملتفت ، كالشارع الأقدس ، بل اللازم التطابق بينهما في حقه المستلزم لمطابقة طلبه لبا لموضوع غرضه بما له من وجود واقعي ، وإن لم يطابقه لفظا. فلا يظهر الفرق في أوامره من هذه الجهة بين الجهة التقييدية والتعليلية.
هذا كله في الطلب الفعلي التفصيلي الأصلي. وأما الطلب الارتكازي ـ ومنه الطلب الارتكازي المدعى للمقدمة ـ فهو تابع للغرض واقعا سعة وضيقا حتى في حق من يمكن في حقه الغفلة والجهل ، لعدم توجه الطالب للمطلوب تفصيلا ، كي يمكن خطؤه في تشخيص موضوع الغرض ، بل هو كامن في مرتكزاته التابعة لارتكازية الغرض ، فلا يعقل انفكاكه عن الغرض وعدم مطابقته له. بل وضوح ارتكازية الغرض في المقام ووضوح اختصاصه ببعض أفراد المقدمة صالحان عرفا للقرينية على تقييد المقدمة المطلوبة غيريا بالموصلة لو فرض وقوعها موردا للطلب في دليل له إطلاق لفظي صادر ممن يمكن في حقه الغفلة.
وبالجملة : لا ينبغي التأمل في اختصاص الغرض الذي هو المنشأ للداعوية التبعية والطلب الغيري ـ لو قيل به ـ بالمقدمة الموصلة ، وفي لزوم اختصاص الداعوية والوجوب بها تبعا لذلك.
بل التأمل في المرتكزات يقضي بأن موضوع الداعوية الغيرية هو العلة التامة للمطلوب النفسي ، لأنه هو الذي يترتب عليه ذو المقدمة ، دون كل جزء بحياله واستقلاله ، فليس في المقام إلا داعوية غيرية استقلالية واحدة متعلقة بالعلة التامة ، وهي تنحلّ إلى داعويات ضمنية ارتباطية بعدد أجزائها ، بحيث