وقد تعرض بعض المعاصرين رحمهالله في أصوله لضابط الفرق بينهما. وحاصل ما ذكره : أن العنوان الذي يؤخذ موضوعا للحكم في دليل كل من الحكمين ـ اللذين بينهما عموم مطلق أو من وجه ـ تارة : يلحظ فانيا في مصاديقه على نحو يسع جميع الأفراد بما لها من الميزات ، فيكون شاملا بسعته للمجمع بين العنوانين ، فيعد في حكم المتعرض له بالخصوص ، ولو من جهة كونه متوقع الحدوث ، على وجه يكون من شأنه أن ينبه عليه المتكلم. وحينئذ يكون دليل الحكم دالا التزاما على نفي الحكم الآخر المضاد له في المجمع. قال : «لا نضايقك في أن تسمي هذا العموم العموم الاستغراقي ، كما صنع بعضهم».
وأخرى : يلحظ فانيا في مطلق الوجود المضاف لطبيعة العنوان من دون ملاحظة كونه على وجه يسع جميع الأفراد ، فلم تلحظ كثرتها ومميزات بعضها عن بعض في مقام جعل الحكم ، فيكون المأمور به والمنهي عنه صرف وجود الطبيعة. قال : «ولتسم مثل هذا العموم العموم البدلي ، كما صنع بعضهم».
ففي الصورة الأولى يلزم التعارض بين دليلي الأمر والنهي في مقام الجعل والتشريع ، لتكاذبهما في مورد الاجتماع ، لاقتضاء كل منهما ثبوت حكمه فيه بالمطابقة ، ونفي حكم الآخر بالالتزام ، للتنافي بين الحكمين. ومقتضى القاعدة تساقطهما معا في المورد المذكور ، فلا يحرز فيه الوجوب ولا الحرمة. ولا مجال معه لدخوله في موضوع مسألة الاجتماع ، لاختصاصه بصورة شمول الدليلين لمورد الاجتماع وحجيتهما فيه ، وذلك إنما يكون مع عدم التعارض بينهما في مقام الجعل والتشريع.
أما في الصورة الثانية فيدخل المورد في موضوع مسألة الاجتماع ، ولا تعارض بين الدليلين ، لعدم لحاظ العنوان بنحو يسع الأفراد جميعها ، وإن كان العنوان في ذاته شاملا لها ، لأن الحكم يتعلق بصرف الطبيعة المأمور بها ـ