الغريب أنّ البعض ينفي التأويل بصورة كلية ، وهذا يتناقض مع الحديث القائل بأنّ القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق.
ورفض التأويل بهذه الطريقة هو تحجيم للنص القرآني ، حيث تكون القراءة مقتصرة على الظاهر والقشور.
قال تعالى :
( فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَاب مَكْنُون * لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (١).
فالقرآن يصرّح بأنّ له حقيقة مكنونة ، ولا يمسّه إلاّ المطهّرون ، ولم يقل تعالى : المتطهّرون ، بل قال : المطهّرون ، وهم الذين طهّرهم الله تعالى ، حيث قال :
( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٢).
فدرجات القرآن ليست واحدة ، قال تعالى :
( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْح مَحْفُوظ ) (٣).
مجيد ، أي : ذو مجد وعظمة ، أي : له درجات غيبية في لوح محفوظ عن أن يناله الإنس والجن.
وقال تعالى متكلّماً عن القرآن الكريم :
( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) (٤).
فهل من المعقول أن تحلّل القصيدة تحليلا عميقاً ، وأن تقف عند قشور القرآن بحجّة رفض التأويل؟!
__________________
١ ـ الواقعة (٦٥) : ٧٥ ـ ٨٠.
٢ ـ الأحزاب (٣٣) : ٣٣.
٣ ـ البروج (٨٥) : ٢١ ـ ٢٢.
٤ ـ العنكبوت (٢٩) : ٤٩.