بأن فصل بين ( دوال اللغة ) و ( مدلولاتها ) ، فحذف الأخير وجعلها غائبة ، ليشير بذلك إلى عدم وجود مركز معرفي ثابت بقدر ما يخضع الأمر لقراءات استمراريّة لا نهائية ، أي جعل استخلاص الدلالة المعرفية لا نهاية أو لا ثبات لها ، وهو أمر يتساوق ويتناغم مع الفلسفة التشكيكيّة التي لا تجنح إلى يقين معرفي أو المعرفة اليقينيّة ، ومن ثمّ يظلّ ( المعنى ) أو ( الدلالة ) أو ( القيم ) لا ثبات ولا استقرار لمفهوماتها ..
ومن الطبيعي حينما ينسحب هذا التشكيك على الظواهر جميعاً ، فإنّ النتيجة تظلّ تشكيكاً بكلّ شيء ، وفي مقدّمة ذلك : التشكيك أساساً بما وراء الوجود ( المبدع ) وإرسالات السماء ، وكلّ ما هو ( مقدّس ) بحسب تعبير الموضة المشار إليها ..
وإذ كان المناخ الأُوربي يسمح بولادة أمثلة هذه التيارات ، نظراً ـ من جانب ـ إلى اليأس الذي طبع مجتمعات الغرب من حضارتها المادية الصرفة ، خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية ..
وإذا كان المناخ المذكور ـ من جانب آخر ـ طبعه الترف الفكري أو التخمة الثقافية ، بحيث تقتاده إلى توليد جديد للفكر حتّى لو لم تسمح به الضرورة ..
ثمّ ـ من جانب ثالث ـ إذا أخذنا بنظر الاعتبار ( وهذا أهم الأسباب بطبيعة الحال ) عزلة المجتع الأُروبي عن السماء ومبادئها :
حينئذ ، فإنّ ولادة التيارات التفكيكيّة والتشكيكيّة والمتمرّدة والفوضوية وبالإضافة إلى عودة بعض التيارات المنتسبة إلى اليسار الجديد .. أُولئك جميعاً تفسّر لنا ولادة التيارات المذكورة في مجتمع أُوربي له أرضيّته الخاصّة.
إلاّ أنّ من المؤسف كثيراً أن نجد انعكاسات التيارات المذكورة على ( الشرق ) ، وفي مقدّمتها : المجتمعان العربي والإسلامي ، حيث هرع أفراد كثيرون