والجاهليّة عندهم جهلاء ، وشأنهم شأن العرب في السّلب والنّهب ، وكثيرا ما يتناهبون هم والعوامر وآل كثير النّعم بأنواعها ، ولكنّ أولاء لا يقدرون على الانتصاف منهم ، إلّا إذا انضمّوا إلى المهرة والمناهيل ، وتجمّعوا من كلّ صوب ، وأمّا هم ؛ أعني الصّيعر والمناهيل ، والمهرة ، ويام ، ودهم ، والكرب .. فلا يتناهبون إلّا الإبل ؛ لبعد الشّقّة.
وفي الشّتاء من هذه السّنة غزت آل حاتم إلى بعض البوادي الدّاخلة في الحدود السّعوديّة ، فغنموا إبلا كثيرا ، فاحتجّت عليهم حكومة عدن ، فقيل : إنّهم أرجعوها كلّها أو بعضها ، وقيل : لم يردّوا شيئا.
وفي جمادى الآخرة من هذه السّنة غزت طائفة من قبيلة يقال لهم : (القحطانيّون) مكانا في شرقيّ العبر وشماله ، يقال له : (شمال) ، وفيه أخبية لكثير من الصّيعر والكرب ونهد ، فالتحم القتال ودام نحو ثلاث ساعات ، وأنجدهم عسكر البادية المحافظ على الأمن بطرف حضرموت من جهة الحكومة الإنكليزيّة ، ولكنّه قليل جدّا ، فلم ينجه مع ألفافه إلّا الهرب بعد أن قتل منهم ثمانية عشر ، ونهبت إبلهم وسائر ما معهم ، وبيان القتلى : سبعة من الكرب ، وسبعة من الصّيعر ، واثنان من نهد ، واثنان من العسكر ، ويزعم المنهوبون أنّهم ومن لفّهم قتلوا ثلاثة من القحطانيّين ، ولكنّه زعم بدون تعيّن ، وعلى هذه .. فقس ما سواها.
وعن امبارك بن يسلم العوينيّ عن صالح بالخليس الصّيعريّ الكسيليّ قال : غزوت على ظهر الجبل من نجدنا إلى نجد المهرة ، فلمّا قارب الجبل الانتهاء .. استدقّ حتّى صار مثل السّيف ، فنزلنا عنه ونحن ستّة على ستّ من المطايا ، فلاقانا سوماليّ (١) على جمل في طلب اللّبان ، فهابنا ، فآمنّاه ، وسألناه : من أين أقبلت؟
قال : من عيان ، وهو موضع قريب من سيحوت ، يجري فيه غيل ، تقام فيه الأسواق.
__________________
باختصار من كتاب : «سياسة بريطانيا تجاه حضرموت» رسالة ماجستير بجامعة بغداد ، للسيد صادق عمر مكنون (١٢١ ـ ١٢٥).
(١) أي : صومالي ، ولا يزال كثير من الناس ينطقونها بالسين.