ولقد بذلت جهدي في تحذير السّلاطين الكثيريّين ونصحهم عن الموافقة عليها ، وذكرت لهم ما في ذلك من الوزر والخسر بما هو مبسوط في «الأصل» ، ولكنّ السّيّد حسين بن حامد المحضار ألحّ في ذلك بسعي شديد ، وجهد جهيد ، وساعده ناس من أهل الثّروة .. فتمّ له ما أراد ، ومعروف ومشهور ما لي في ذلك من المنظوم والمنثور.
وكانت بيني وبين السّلطان غالب هذا مودّة لو لا مكايدة السّيّد حسين بن حامد لها .. لكانت قويّة ، وبيني وبينه مكاتبات ممتعة ذكرت بعضها في «الأصل» (١) ، ولي عليه عهود موثّقة بالنّصر على كلّ من عاداني ، وبالإعفاء من الرّسوم عن ستّين طردا في كلّ عام ، وبمرتّب سنويّ زهيد ، ومع ذلك .. فقد كان وزيره المرحوم السّيّد حسين بن حامد المحضار يراوغني فيها ، ويمانع العمل بها.
ولمّا توفّي .. أرسلتها إلى عند ولده السّيّد أبي بكر بن حسين أطالبه بإجرائها وتنفيذ ما فيها ، فلم يردّها إليّ رأسا ، وظنّها النّسخة الوحيدة ، ولكن كانت عندي صورتها بإمضاء السّلطان غالب والسّيّد حسين ، وشهادة السّيّد محمّد بن عبد الله بن هادون بن أحمد المحضار ، والأمير عليّ بن صلاح ، وطالما ذكّرت بها العلّامة السّلطان صالح بن غالب ، فقلت له أمام الملأ : أهذه المعاهدات صحيحة معمول بها ، أم
__________________
آل كثير : أن يكون إقليم حضرموت إقليما واحدا ، وأنّ الإقليم المذكور هو من تعلّقات الدّولة البريطانيّة تابعا لسلطان الشّحر والمكلّا). عن «ترجمة السّيّد الزّعيم» (١٠٢).
لقد كانت تلك المعاهدة أوّل إنجاز رسميّ لم يقع مثله طيلة مدّة الحكم القعيطيّ والكثيريّ ، أمّا الحكومة الكثيريّة .. فقد غبنت بسبب هذه المعاهدة غبنا ظاهرا فادحا ؛ فقد اعترفت للقعيطيّ بحضرموت كلّها عدا رقعة صغيرة من الأرض هي سيئون ونواحيها إلى الحزم غربا ، وشرقا إلى تريم فقط ، مع أنّها تمتلك من المال والرّجال ما يفوق دخل الواحد منهم ميزانيّة القعيطيّ عشرات المرّات كآل الكاف وأضرابهم .. «السّيّد الزّعيم» (١٠٦) وما بعدها.
(١) ذكر في «الأصل» رسالة طويلة وجّهها هو إلى السّلطان في (١٥) جمادى الأولى سنة (١٣٣٧ ه) : (٢ / ٢٧٧ ـ ٢٧٩) ، قال في ديباجتها : (.. كتابي إليك والشّوق يزيد ، والودّ أكيد ، وبيننا وبينكم أحلاف قديم وجديد ، ونودّ الوصول ولكن خفنا أنّه ما يفيد ، وذكركم يدور ، وخيالكم يزور ، وجيلكم مذكور ، والله يحفظكم من الغرور ..) إلخ.