برجل .. طرت فيها بجناح) ، فكان ما كان ، إلّا أنّه تنازل لهم عن أكثر ممّا التزمه (١).
ولقد كان السّلطان الكثيريّ ـ مع نزول درجته عنه وصغر مملكته بتفاوت عظيم ـ لا يزال ينازعهم ، وقلّما يشتدّ في أمر إلّا وافقوه عليه ، فتراه يتحمّل مع اتّساع ملكه ما لا يتحمّله الكثيريّ ، والسّلطان صالح محبوب عند النّاس ، مفدّى بالأرواح من سائر الأجناس :
هو الملك الّذي جمعت عليه |
|
على قدر محبّات العباد |
تولّته القلوب وبايعته |
|
بإخلاص النّصيحة والوداد (٢) |
__________________
(١) الاستشارة البريطانيّة وأسبابها : كشف السّيّد العلّامة ، السّياسيّ المحنّك : حامد بن أبي بكر بن حسين المحضار في كتابه «حياة السّيّد الزّعيم» عن أسباب خفيّة قد لا يعلمها كثير من النّاس ، حول قبول السّلطان صالح للمستشار الإنكليزيّ ، وجعل أكبر الأسباب هو رغبة السّلطان صالح الجامحة في إقصاء ابن عمّه : محمّد ابن السّلطان عمر من السّلطة ، وخوفه من مجيئه إلى المكلّا بين الفينة والأخرى ، فلمّا طلب من حاكم عدن أن يلغي حقّ ابن عمه من السّلطة ـ مخالفا بذلك وصيّة جدّه عوض بن عمر ـ رحّب الحاكم بذلك ، لكن شرط عليه قبول الاستشارة .. فأجابه على مضض.
ويزيد على هذا ما تقدم نقله عن الشيخ الناخبي ، ولا منافاة ولا معارضة بين القولين لجواز وقوع كل منهما.
وأنقل هنا نصّ كلام السّيّد المحضار ؛ لما فيه من الفذلكة التّاريخيّة ، قال رحمه الله : (ولمّا توفّي السّلطان عمر .. تولّى السّلطان صالح ، ولم يواجه أيّ معارضة من أبناء عمّه ، ولكنّه جعل همّه الأوّل أن يحرم ابن عمّه الأمير محمّد بن عمر من ولاية العهد ؛ ليكون ابنه الأمير عوض بن صالح وليّا لعهد أبيه ، فنكث عهده ، وأخلف وعده ، ثمّ ساوم الإنكليز على قبولهم ابنه وليّ عهد للسّلطنة بعده ، واعترافهم به وإلغاء ولاية ابن عمّه الأمير محمّد بن عمر ، خلافا لمّا قرّره مؤسّس السّلطنة الأوّل ، وخلافا لما أجمع عليه هو وعمّه السّلطان عمر ووزيرهم المحضار ورجال دولتهم. ولم يوافق الإنكليز على ذلك إلّا بشرط أن يقبل السّلطان صالح مستشارا إنكليزيّا مقيما في عاصمة السّلطنة ، على أن يكون للمستشار البتّ في كلّ أمور السّلطنة ، وليس للسّلطان أن يتعاطى أمرا ولا نهيا إلّا بموافقة المستشار الإنكليزيّ ، على أن تصدر الأوامر والنّواهي باسم السّلطان صالح ، وقبل السّلطان صالح المستشار الّذي أصبح هو المتصرّف المطلق في أمور السّلطنة القعيطية ، وبذلك دفع السّلطان صالح ثمن حرمان ابن عمّه من ولاية العهد لينصّب ولده وليا للعهد ثمنا عاليا غاليا جدّا ، هو في نظرنا أعلى وأغلى من ولاية السّلطان صالح نفسه ، فضلا عن ولاية ابنه لولاية العهد ، ولقد تمّ كلّ ذلك رغم كلّ العهود والوعود والشّهود ، واليوم الموعود ، وكانت عاقبة أمره خسرا) اه «السّيّد الزّعيم» (٨٥).
(٢) البيتان من الوافر ، وهما للبحتري في «ديوانه» (١ / ١١٩).