وبمثل ذلك جاء القرآن العظيم ، وسار عليه الشّارع الحكيم ، ومعاذ الله أن يصلح آخر هذه الأمّة إلّا ما أصلح أوّلها ، ولا معرفة لي تكفي اليوم للحكم بحال القوم ، ولكنّ من يردني من آل العموديّ وآل العطّاس يحدّثني عن شهامتهم ونخوتهم بما يبعد معه أن تذلّل معاطسهم الخطم ، وقد قال بعض شعرائهم المتأخّرين ـ واسمه سعيد بن سالم بانهيم المرشدي ـ :
لا حق بامدّه ولا منقود |
|
ولا شريعه عند قاضي |
لمّا يغلّق كسبي الموجود |
|
هفوه لهم والقلب راضي |
ولا أشنوعة عليه بالتّمدّح بالامتناع عن استدعاء القضاة ؛ لأنّهم لصوص (١) .. فله من جورهم مخرج عن هذا ، وفيه شبه من قول بعض الأوائل (٢) [من الطّويل] :
بني عمّنا لا تذكروا الشّعر بعدما |
|
دفنتم بصحراء الغميم القوافيا (٣) |
فلسنا كمن كنتم تصيبون سلّة |
|
فنقبل ضيما أو نحكّم قاضيا (٤) |
__________________
(١) أراد الشيخ رحمه الله تعالى قول ابن المنجم :
فلا تجعلنّي للقضاء فريسة |
|
فإن قضاة العالمين لصوص |
مجالسهم فينا مجالس شرطة |
|
وأيديهم دون الشّصوص شصوص |
الشّصوص ـ جمع شص ـ وهو : اللص الذي لا يدع شيئا أتى عليه إلا أخذه.
فقال أبو جعفر البحّاث متمما لهذين البيتين :
سوى عصبة منهم تخصّ بعفة |
|
ولله في حكم العموم خصوص |
خصوصهم زان البلاد وإنّما |
|
يزين خواتيم الملوك فصوص |
(٢) هو الشّميذر الحارثي ، كما في «ديوان الحماسة» (١ / ٣١) ، وكان قد قتل أخوه غيلة .. فقتل قاتل أخيه نهارا في بعض الأسواق من الحضر.
(٣) قال شارح «ديوان الحماسة» (١ / ٣١) : صحراء الغميم : اسم موضع. والقوافي : جمع قافية ، وأراد بها القصائد. وفي دفن القوافي معنيان ؛ أحدهما : أنكم انهزمتم بهذا الموضع .. فلا تكلفوا أحدا مدحكم ولا تفتخروا في شعر ؛ لسوء بلائكم بهذا الموضع. والثاني : أن شاعرهم قتل ودفن بهذا الموضع .. فكأنه يقول : لستم قادرين على الشعر وقد دفنتم شاعركم بصحراء الغميم .. فلا تتكلفوا ما لستم من أهله ؛ فعلى هذا : كأنه قال : دفنتم صاحب القوافي.
(٤) السّلّة : السرقة. يقول لهم : لسنا كمن كنتم تقصدونه وهو متفرد شاذ فتصيبونه سرقة فنرضى بالضيم ، أو نحاكمكم إلى قاض.