وبالأمس كنا نمتّع الأفكار بروضه النضير ، ونجني من فواكهه الجنية كل معنى خطير ، ونهلنا من أماليه على ديوان أبي الطيب .. فأفدنا وانتفعنا ، وقال حكيمنا : (لقد أعطي هذا السيد مقاليد الفصاحة).
وها نحن اليوم إزاء كتاب تاريخي لهذا النّحرير الألمعي ، تهش الأفكار إلى ما حوى من فرائد ، ويثني عليه لسان الزمان ، وتفرح بإخراجه جزيرة العرب ، وتتغنى به مطوّقات التاريخ ، وتتلو من فوائده صحفا (١).
ومن يعي التّاريخ في صدره |
|
أضاف أعمارا إلى عمره |
والمؤرخ الثقة الثبت ـ كهذا الإمام ـ تتميز كتابته بالصيانة عن الهذر ؛ إذ هي متزينة بحلل الإتقان ، مقبولة عند الخاص والعام ، مقدمة على ما سواها ، مبرأة من وصمة التحامل المرذول ، والتعصب الممقوت ، سالمة من نفثات الجهل.
إذا قالت حذام فصدّقوها |
|
فإنّ القول ما قالت حذام |
ولموقع هذا الكتاب وعظيم نفعه كان أحد اهتمامات علّامة الجزيرة حمد الجاسر رحمه الله تعالى (٢) ؛ إذ اندفع منجذبا إلى العناية به ، والإفادة من كتابته ، ونشره حلقات تترى في (مجلة العرب) على مدار خمس من السنين ، وما حداه إلى القطف من جناه الشهي والعبّ من منهله الرويّ .. إلا لأنه يسلط أضواء التاريخ على جزء من جزيرتنا المباركة ، ويرسم بخطوط يراعته لوحات ناطقة لناحية كانت قبل مهد الملوك من غابر الأزمان ، ومنبتا لعلماء وحكماء ، وحكام وأمراء.
واعترافا بفضل المتقدم ، ووفاء لعلامة الجزيرة .. فقد آثرت دار المنهاج أن تحلّي جيد الكتاب بعقود مقدمته ، وأن تزين الطروس بمذهّبات كلمه.
__________________
(١) مقتبس من قول ابن سنان الخفاجي في وصف قمرية :
ونائحة بالبان تملي غرامها |
|
علينا وتتلو من صبابتها صحفا |
ولو صدقت فيما تقول من الأسى |
|
لما لبست طوقا ولا خضبت كفا |
(٢) توفي (١٥ / ٦ / ١٤٢١ ه).