ولهذه الغياض ـ ولا سيّما شكلنزة ودفيقة والحزم وصداع ـ ذكر كثير في الحروب الواقعة بين الكساديّ والقعيطيّ ، والعولقيّ والكثيريّ ، حسبما فصّل ب «الأصل» ، ومرّ بعضه في الحزم وصداع.
وممّا يستحقّ الإعجاب ، ويشنّف الأسماع (١) ، وينفخ الأنوف : أنّ آل كثير والعوالق والكساديّ حاولوا الهجوم على الشّحر في سنة (١٢٩٠ ه) بنحو ثلاثة آلاف مقاتل ، ونزلوا شكلنزة ، وفي اللّيلة (٢٣) من شوّال من تلك السّنة اجتمع ملؤهم في دفيقة ، فنازلتهم ثلّة من عسكر الشّحر لا تزيد عن أربع مئة مقاتل ، فانسحب جند العولقيّ والكساديّ والكثيريّ إلى المشراف ، وهنالك التحم الحرب واستحرّ القتل ، وجاءت الأمداد اليافعيّة من الشّحر ، ولم يبق بيد العولقيّ والكساديّ والكثيريّ إلّا داران في دفيقة ، ولما دارت الدّائرة عليهم ، وانهزم آل كثير هزيمة منكرة .. انحصر من بقي منهم بداري دفيقة ، ثمّ انهزم أحد الدّارين وأخذته يافع عنوة ، وكان في أسفله كميّة وافرة من البارود ، ففتح أوعيتها أحد عبيد العوالق ، وربط بها حبلا من الفتيل ، وأشعل فيه النّار مع هربه ، فلمّا انتهت إليه .. انفجر ، فسقط الدّار على من داخله من عسكر القعيطيّ ويافع ، وقويت نفوس آل كثير ومن معهم المحصورين في الدّار الثّاني ، وجدّوا في الدّفاع والاستماتة حتّى تواضعوا مع القعيطيّ على أن يخرجوا بالشّرف العسكريّ في وجه سالم بن يحيى بن عبد الحبيب بن عليّ جابر ، أو عليّ بن يحيى .. إلى آخر النّسب.
ولمّا خرجوا .. إذا هم أفلاذ كبد حضرموت ، وأعيان الدّولة آل عبد الله ، وآل كثير ، والعوامر ، وآل جابر ، الّذين لا يمكن أن تقوم لهم قائمة بعدها لو استأصلوهم أبدا. عند ذلك حاول القعيطيّ إرضاء سالم أو عليّ بن يحيى بما يتمنّى ، على أن يخيس بعهده ويتركهم له ، فقال : (والله ، لو أعطيتني جبلا من الذّهب .. لن أخرم ذمّتي ، ولن أسوّد وجهي) ، فبلّغهم المأمن كراما وهو رافع الرّأس (٢).
__________________
(١) يشنّف الأسماع : يزيّنها.
(٢) تفاصيل هذه الحادثة في «العدّة المفيدة» (٢ / ٣٣٩ ـ ٣٤٣).