ناصر القردعيّ فاحتلّها (١). قيل : بإشارة من مولانا الإمام يحيى حفظه الله. وقيل : من قبل نفسه.
والأوّل بعيد ؛ لأنّ بين الإمام والحكومة الإنكليزيّة معاهدة تقتضي بإبقاء ما كان على ما كان إلى أن تنتهي أربعون سنة ، وهو من أوفى الخلق بالذّمم ، وأرعاهم للعهود ، على أنّ الإمام لم يمض تلك المعاهدة مختارا ، ولكن تحت الضّغط في ظروف محرجة وبعقب حوادث اضطرّته إلى ذلك ، وإلّا فما كان يعترف لهم بحقّ في عدن ، فضلا عمّا سواها ، ثمّ لم يكن ـ يحفظه الله ـ ليعتمد على القردعيّ ، وهو من المفسدين في الأرض ، لا يخرج من غمدان إلّا عاد إليه ، وبعد ذلك لم يمهله الإنكليز أن استقالها منه ، إمّا عنوة ، وإمّا بقفّة من الدّراهم ابتاعوا بها ضميره وذمّته ، وقد يتأكّد هذا بأنهم أركبوه على طائرة في تكرمة إلى بيحان.
وكان القردعيّ يتردّد عليّ مع شيخ قيفة (٢) ـ واسمه الذّهب ـ أيّام كنت بصنعاء أوائل سنة (١٣٤٩ ه) ، وكان شيخ قيفة من أجمل خلق الله ، والقردعيّ من أقبحهم ، فأتذكّر ما رواه غير واحد من أهل الأدب : أنّ رجلا قام تجاه المرآة ، فلمّا رأى محيّاه
__________________
الجلد الّذي يبسط تحت الرّحى ليقي الطّحين من التّراب. والمعنى : أنّ الحرب تدقّهم دقّ الرّحى للحبّ إذا كانت مثفّلة ، ولا تثفّل إلّا عند الطّحن.
وعليه : فالباء هنا بمعنى مع ؛ أي : طحنتهم الحرب طحن الرحى للحب مع ثفالها.
(١) آل القردعي من زعماء قبيلة مراد المذحجيّة ، ديارهم في وادي مضراه من مديريّة رحبة ، أعمال محافظة مأرب. وأمّا علي ناصر هذا .. فكان ممّن شارك في قتل الإمام يحيى حميد الدّين رحمه الله سنة (١٩٤٨ م) ، وكان ذلك بعد تصنيف هذا الكتاب ، وإلّا .. فالمصنف لن يغفل ذكر ذلك الحادث المرير. ولعليّ ناصر أخ يدعى أحمد ناصر ، أيضا شارك في حادثة مقتل الإمام ، ثمّ أمسك به وسجن في حجّة بعد فشل الحركة ، ثمّ أمر الإمام أحمد بقتله ، ولمّا لم يستطع الجنود إخراجه إلى ساحة الإعدام .. فإنّهم أعدموه رميا بالرّصاص في زنزانته ، وقد صدر مؤخّرا كتاب يجمع أخباره.
(٢) قيفة : وهي الأخرى من بطون مراد ، منازلهم شمال شرقيّ رداع ، وهم عدّة قبائل : آل مصعب بن أحمد ، وآل نهبل بن أحمد ، وآل ربيع بن أحمد ، وآل سليم بن أحمد. وآل الذّهب الّذين ذكرهم المصنّف من آل ربيع بن أحمد ، وكانوا مشايخ قيفة ، وهم أيضا عدّة بيوت ، وأمّا شيخهم حاليّا .. فهو أحمد بن حسين بن علي جرعون ، من آل أسلم بن أحمد ، من أعضاء مجلس النواب (١٩٩٧ م).