الجميل .. قال : اللهمّ كما حسّنت خلقي فحسّن خلقي ، فقام بإثره رجل كريه المنظر ، فوقع في مأزق حرج ؛ لأنّه إن قال كما قال الأوّل .. ضحكوا عليه ، وإن سكت .. وقع في الذّام (١) ، فتخلّص بأوضح حجّة حيث قال [من الطّويل] :
فإن لم تك المرآة أبدت وسامة |
|
فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم |
ولا سيّما وأنّ الخموش الّتي شوّهت وجه القردعيّ كانت من غضنفر أو نمر أنشب به براثنه فقدّه نصفين ، حسبما أخبرني كثير من النّاس. وسيأتي في وادي الذّهب من أسافل حضرموت حديث لامرأة من بيت براهم يصغّر خبر القردعيّ مع النّمر.
وكثيرا ما سرّني تصاحب القيفيّ والقردعيّ ، مع أنّ بينهما من الأشلاء (٢) الممزّقة والدّماء المائرة (٣) ما لا يضبطه الحدّ ؛ لأنّه يذكّرني بقول البحتريّ [في «ديوانه» ١ / ١١ من الطّويل] :
إذا احتربت يوما ففاضت دماؤها |
|
تذكّرت القربى ففاضت دموعها |
تقتّل من وتر أعزّ نفوسها |
|
عليها بأيد ما تكاد تطيعها |
وهو معنى استبقت في مضماره جياد الشّعراء ، وقصبة السّبق للبحتريّ في هذا البيت (٤) ، وأصله لمهلهل في قوله [من الوافر] :
بكره قلوبنا يا آل بكر |
|
نغاديكم بمرهفة النّصال (٥) |
ونبكي حين نذكركم عليكم |
|
ونقتلكم كأنّا لا نبالي (٦) |
وقد ذكرت منه في «العود الهنديّ» [٢ / ٤٩٣] ما يشنّف الأسماع.
__________________
(١) الذّام : العيب. وفي المثل : (لا تعدم الحسناء ذاما) بتخفيف الميم.
(٢) الأشلاء : البقايا.
(٣) المائرة : السّائلة.
(٤) قصبة السّبق : كناية عن الفوز والتّقدّم ؛ حيث كان المتسابقون يوضع لهم عند نهاية السّباق قصبة ، فمن سبق إليها .. حازها واستحقّ الجائزة.
(٥) نغاديكم : نقاتلكم في الغدوّ ؛ أي : الصّباح الباكر.
(٦) البيتان في «ديوان الحماسة» (١ / ٦٢) ضمن قصيدة منسوبة لرجل من بني عقيل.