وأماط اللثام عن منطقة ومواقع ربما لم تلامس أسماع طلبة الآداب ، فضلا عمن يعادي الكتاب ويضيق ذرعا بالأقلام.
خامسا : ومما يجعل ل «إدام القوت» أهمية بالغة : أن كاتب تاريخ هذه المنطقة هو أحد أبنائها ، العليم بحاضرها وماضيها ، وأعمالها وأعلامها ، وقيعانها وآكامها ، وجبالها ووديانها ، ومآثرها ومثالبها ، إلى غير ذلك مما قيدته يراعة هذا المفكر ، وجاد به خاطر هذا العبقريّ.
ونحن لا نقول : إن «إدام القوت» قد سد النقص ؛ إذ لا شيء قبله ؛ اللهم إلا خطوطا مقرمطة لا تكاد تبين .. ولكن نقول : إن هذه بداية قوية تدفع الباحثين في الحلقات التاريخية إلى الإضافات ، واستنطاق التاريخ الحضرمي ، وعصر أحداثه ، والاستيحاء من قيعانه ، واستخلاص الأحاديث الشيقة من بطون الأعوام ، وتسطيرها للأنام ؛ فإن في ذلك ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
سادسا : إن البلاد الحضرمية أنعم الله تعالى عليها بالآلاء الجسام ، ومنّ عليها بعلماء أئمة امتلأت بهم بيوت المجد ، وتمخضت عنهم دور الفكر ، حتى أربوا على كل توقع ، فما من ركن من أركانها ولا موقع من زواياها .. إلا وقد شهد حلقة علمية لعلّامة راسخ ، حتى أصبحت كلمة حضرمي تساوي غالبا الفقيه المتمكن ، أو العلامة المتفنن ولعل هذا أحد مدلولات الحديث الصحيح : «والفقه يمان».
ولقد شاهدت من قريب النهضة العلمية النشطة التي تسطع في تريم وجاراتها ، وأعجبت بطلبة العلم الذين هرعوا إليها من أقطار عديدة عربية وإسلامية وقد انقطعوا لطلب العلم في هذه الديار المباركة ، «وليس الخبر كالمعاينة» (١).
فما دامت هذه البلاد قد أنجبت أفذاذا موهوبين ، وعبّادا زاهدين ، وأعلاما مفكرين .. فلا مراء أنها قمنة بالبحث في تاريخها ، جديرة بالتنقيب عن مناقبها ومآثرها ، فطيّ تاريخها نوع من الغبن ، وتناسي محاسنها ضرب من الجحود ،
__________________
(١) جزء من حديث صحيح.