المحسوس والمرسوم ، ويتحقق منهم من كسته الآداب حليّها ، وأرضعته الرياسة ثديّها ، فيجدّ في الطلب ليلحق بهم ، ويتمسك بسببهم) اه
ولله در القاضي الأرجاني (١) إذ يقول :
إذا علم الإنسان أخبار من مضى |
|
توهّمته قد عاش من أوّل الدّهر |
وتحسبه قد عاش آخر عمره |
|
إذا كان قد أبقى الجميل من الذّكر |
فقد عاش كلّ الدّهر من كان عالما |
|
حليما كريما فاغتنم أطول العمر |
رابعا : إن حضرموت المعرقة آثاره في القدم ، والمنطقة التي أزاح الستار عن مآثرها السيد السقاف بصفة خاصة .. جفاها الحظ قديما ، وأشاح بوجهه عنها حديثا ، على الرغم من عطائها الثر على المستويين الإقليمي والعالمي ، اللهم إلا شذرات منتثرة لا تبل الصدى ، ولا تشبع القرم ، ولا تقيم الأود ، ولا عجب إذا نعتها الواصفون بأنها شبه مجهولة ؛ فأعلامها الأعلام لم يحظوا بما يستحقونه من اهتمام ، ومن ليال قريبة فقط دار في مطالعتي لكتاب معاصر يتعلق بأحكام الأوراق النقدية دار ذكر علامة حضرمي ، له وزنه على البساط الفقهي ـ كما نعته الباحث ـ فجهدني التنقير المتتابع في كتب التراجم للبحث عن إضاءة ترفع حجب الجهالة بهذا الفقيه .. فضنّت مصادري بالبغية ، وشحّت بالمطلب ، ثم أنحيت باللائمة على غيري ، وهذا هو الداء العضال ، الذي ينخر في عزائمنا ، ويجعل التقاعس ملء أهبنا ، وربما كان للتكوين الجغرافي الذي يشكل صعوبة المواصلات في القديم دخل في هذا التعتيم التاريخي ، هذا بالإضافة إلى أن هؤلاء الصفوة يؤثرون الخمول ويعادون الشهرة ، كأنما هي عندهم السّم الزعاف الذي يدني حتف السليم (٢).
وسواء كان السبب هذا أو ذاك .. فإنّ هذا السفر العزيز سدّ فجوة في هذا الباب ،
__________________
(١) الأرجاني : بسكون الراء : نسبة إلى أرجان ، وهي من كور الأهواز من بلاد خوزستان «اللباب في تهذيب الأنساب» (١ / ٤٠).
(٢) السليم : الملدوغ ؛ سمي بذلك تفاؤلا.